شيخ واحد ومشروعان
حرّك دخول الشيخ ناصر صباح الأحمد الحكومة مياه التشكيلات الوزارية الراكدة منذ أمد طويل، فإضافة إلى كونه الابن الأكبر للرجل الأول في الدولة، يأتي بعد مرور حوالي 40 سنة على آخر ابن لأمير يتولى منصباً وزارياً، فإن تاريخه ومواقفه السياسية السابقة، سواء المباشرة منها أو ما كان من خلف الكواليس، يجعلانه أول وجه من أبناء الأسرة الحاكمة من ذوي الوزن الثقيل يدخل الحكومة منذ عهد بعيد، ولذا فإنه فور بروز اسمه مع منصبه الجديد اشتعلت ساحة التحليلات والأقاويل حول مشروعه التنموي الذي يحمل ملفه من جهة، ومستقبله السياسي من جهة أخرى.بالنسبة إلى ملف مشروع الجزر و"الكويت 2035" فلا بد له أن يسير في قنواته الدستورية وإجراءاته القانونية الواجب اتباعها، ومن ثم يأخذ دورته الروتينية الكويتية العقيمة، التي نرجو الله ألا يضيع فيها ويدفن بين أروقتها مع إخوته السابقين، وألا يكون كذلك محلاً للتجاذب والمناكفات والاستهداف السياسي القادم بالضرورة، لأنه ليس مشروعاً خاصاً لحامل ملفه، بل هو مشروع دولة إستراتيجي سيغيّر وجه الكويت ومن طبيعة اعتمادها على مصدر وحيد للدخل، بغضّ النظر عن شخصية من يقف وراءه ويدفع به، فلا نتمنى أن نراه مستلقياً بجانب مشروع الداو وإخوته.
أما الأكثر أهمية وإثارة للهمس والتكهنات في موضوع دخول الشيخ ناصر للساحة في هذا التوقيت بالذات، فهو مستقبل طموحه السياسي، الذي قد يفتح الباب لتحول النظام الوراثي الأفقي المعمول به حالياً، حيث التناوب بين الإخوة وأبناء العمومة إلى النظام العمودي، بانتقال الحكم من الأب إلى الابن بشكل مباشر، كما هو حاصل في بريطانيا والبحرين، وكذلك في قطر والأردن والسعودية أخيراً، وبغضّ النظر عن شخص الشيخ ناصر وحقيقة طموحاته، فإن الفكرة بحدّ ذاتها إن تمعنّا وتعمقنا فيها بالتفكير والبحث والدراسة، قد - لاحظوا قد - تكون أكثر ملاءمة للواقع السياسي الكويتي، وخطوة أولى لتغييره وتطويره، فهذا النظام من حيث المبدأ بإمكانه أن يكون التمهيد المناسب للانتقال إلى الإمارة الدستورية الكاملة في المدى البعيد، وبالنظر إلى ما قد يحققه هذا النظام العمودي من وضوح وشفافية في توالي الإمارة، فإنه غالباً سيسهم في إصلاح حال بيت الحكم، كما يطالب كثير من النواب والسياسيين عادة في خطاباتهم المكررة، وذلك مما سيفضي، بدوره، بالضرورة إلى الاستقرار والهدوء السياسي النسبي، ويدعم الإصلاح السياسي المطلوب دائماً وأبداً، فمن جهة فإنه سيضع حداً للمنافسات والاستقطابات بين أبناء الأسرة، مما سيدفعهم - مجبرين - إلى التركيز على العمل والإنجاز في حال تقلدهم المناصب العامة، بقصد الحفاظ على "الحكم" بالمفهوم الأشمل، عكس ما هو جار الآن من تحويل المراكز التي يتولونها إلى إقطاعيات مسخّرة لزيادة النفوذ وتحقيق الشعبية وكسر المنافسين بهدف الصعود للأعلى، ومن جهة أخرى سينقرض في المقابل النواب والسياسيون القبيضة أو المتحالفون مع أقطاب بالأسرة، وتختفي معهم الخلافات والقضايا المفتعلة لإعاقة مسيرة معازيب الآخرين إلى الحد الأدنى المسموح به، نتيجة لتوقف ضخ المال السياسي وانحسار المنافسة.وللأمر أوجه أخرى.