ثلاثة فنّانين يدعون المُشاهد لأن يصبح مشاركاً في محادثة عن تجاربهم المتمحورة حول الاضطرابات في لبنان والمنطقة. فمن خلال مراوغة الضوء والمساحة، على المستويَين الجسدي والعاطفي، يولد نقاش تأمّلي تجسّده تسع تركيبات تنظّم الحضور والذاكرة، في تأرجح بين الواقع والتطلّع.«أضواء مراوغة» تعبير يؤكّد أنّ كل لحظة هي مختلفة لا استمرار للضوء. هو عمل يحمل تناقضاته الخاصة متأرجحاً بين العتمة والضوء. يصوّر العتمة على أنّها جسر للتفاهم وليست حاجزاً دونه، والضوء على أنّه حافز يقود الناس إلى الداخل. وعندما يتبدّل الضوء وتتكشّف الطبقات، يبدأ النسيان.
يتألّف المعرض من تسع تركيبات إسطوانية الشكل، في قلب كلّ منها لوحة، ومغطّاة من الخارج بصورة فوتوغرافية. ننتقل من العتمة إلى الضوء ونختبر محادثة حميمة بين الرسم والصورة والتركيبة والمساحة المحيطة. وكلّما تحرّكنا بين التركيبات التي تبدو شفافة، نتجوّل في غابة حيث الضوء خافت. معاً أو بمفردنا، نواجه وحدتنا بحثاً عن عمق الذات. وفي داخل التركيبة أو في أعماق الذات، تتكشّف إنسانيتنا بكل تعقيداتها فنسأل: «لماذا؟».
المواجهة الجماعية
تجسّد لوحات عفاف زريق زمناً طويلاً من البحث عن الخلاص من التعرّض الشخصي والجماعي للعنف. وتتساءل: «ما الذي أصبحنا عليه؟ أين إنسانيّتنا؟» فبالنسبة إليها، هذه الأعمال هي كيانات تضع المُشاهد في مواجهة تجربة الرسم وتغمّسه في فهم القصّة الشخصية والإنسانية وراء كل لوحة. وتضيف: «يصبح الفنّان والمُشاهد، السائل والمسؤول، واحداً. وفي وقت تفسح فيه المواجهة الجماعية الطريق أمام الاستجابات المنفردة، نواجه ضمائرنا، كل على حدة».شعاع الضوء
يستخدم نويل نصر عدسة الكاميرا لتفكيك عمليّة ابتكار العلامة في لوحات عفاف. ويعيد إحياء تلك العلامات في تركيبات تصبح بذاتها تفسيرات موازية لحياتنا، وإنسانيّتنا، ولتجارب الحرب وللنزاعات. وكما يبحث خبير في الطب الشرعي عن أدلّة، يدقّق نويل في سطح اللوحات فيكشف صوراً خفيّة تغرق بين الرسم واللوحة. متحدّياً الكاميرا من أجل الدخول في عمق اللوحة، يبدأ نويل بتحليل تركيب جملة عفاف: السلبي منها والإيجابي، والأمامي والخلفي، والضوء والعتمة، تتحقّق كلها في صور فوتوغرافية ثلاثية الأبعاد تكسر شعاع الضوء في بحث يطاردها.الصور الفوتوغرافية
أمّا بالنسبة إلى رامي صعب، فالتركيبة مستوحاة من ضربات فرشاة عفاف زريق في لوحاتها المعروضة في المكان. ومن خلال اتّباع الصور الفوتوغرافية لنويل نصر التي تشكّل منها الجدران الشفافة الخارجية لكل تركيبة، يتنقّل المشاهدون، الذين يصبحون مشاركين، بين الداخل والخارج، فيطأون جسدياً وعاطفياً بين الشخصي والجماعي. • يستمر المعرض حتى 2 يناير 2018 في «بيت بيروت» (تقاطع السوديكو، شارع الاستقلال، جادة الياس سركيس).نبذة عن الفنانين المشاركين
ولدت عفاف زريق عام 1948 في بيروت، لبنان. ولها ثلاثة كتب منشورة بالإضافة إلى معارض منفردة عدّة في بيروت وواشنطن. تستلهم من الموسيقى والشعر، وتسبر أعمالها الفنيّة التجارب العاطفية المتدرّجة بين الاضطراب القلق والقبول الراضي.ولد نويل نصر عام 1978 في بيروت، لبنان. وهو يعمل منذ 2007 منسقاً لبرنامج التصوير الفوتوغرافي في جامعة سيدة اللويزة. وغالبية أعماله مستوحاة من تجاربه اليومية، وتحمل أهدافاً علاجية غالباً، وهي ظهرت في كتب ومجلات عدة، كما في معارض محلية ودولية في بيروت وبلفاست وباريس.ولد رامي صعب عام 1991 في بيروت، لبنان. يتابع دراسته للحصول على ماجستير من كلية بارسون للتصميم في نيويورك. ويهتم بالتقاطع بين التفكير التصميمي وبين المحيط المديني المبني، مركزاً على علاقة التصميم والبناء بالمسؤولية الاجتماعية. وصعب هو أحد ثلاثة مؤسسين شركة «تويغ»، التي تجمع بين مبدعين من مجالات عدة من أجل إحداث أعمال وتجارب متميّزة.