فن «الماريونت» في مصر... بين الحصار والاندثار
• الدولة لا تدعمه والإعلام لا يسلِّط الضوء عليه
خيوط تنسجها أياد خفية وأصوات مجهولة، دمي تتمايل يميناً ويساراً لتجسد حكايات أشخاص واقعية أو من وحي الخيال، لكنها ذات تأثير قوي في المتفرجين، وسحرها يرسم الابتسامة على وجوه جمهور المسرح من مختلف الأعمار وليس الأطفال فحسب. إنه فن «الماريونت». «الجريدة» استطلعت الآراء حول أسباب اختفائه وعودته بين الحين والآخر.
يقوم فن «الماريونت» على تحريك دمى أو عرائس مصنوعة من أخشاب متصلة ببعض المفصلات والخيوط تتيح تحريك أجزاء من جسم الدمية، وهو أحد الفنون الشعبية في مصر التي توارى الاهتمام بها بعض الشيء في الآونة الأخيرة.السؤال الذي يفرض نفسه: لماذا اختفى هذا اللون من الفنون رغم نجاحه؟ فمن منا ينسى أوبريت «الليلة الكبيرة»، الذي أبدعه الثلاثي العبقري صلاح جاهين مؤلفاً، وسيد مكاوي ملحناً، وصلاح السقا مخرجاً؟استطاع مسرح «ساقية عبد المنعم الصاوي» أن يُعيد عروض الماريونت إلى الواجهة من خلال تجسيد كوكب الشرق أم كلثوم وفرقتها الموسيقية عبر مشروع «أم كلثوم تعود من جديد»، الذي يقدِّم العروض أول خميس من كل شهر.
يقدِّم المسرح أيضاً عدداً من نجوم الطرب على رأسهم العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، والفنان فريد الأطرش في حفلات الربيع، وأخيراً صنعت حفلات للكينغ محمد منير على النحو نفسه أيضاً. ولكن رغم هذه العروض كافة فيظل تقديم عمل درامي من خلال «الماريونت» مسألة غير متاحة أحياناً.
غياب اهتمام الدولة
أكّد مدير «مسرح العرائس» في ساقية الصاوي محمد فوزي بكار أن عروض الماريونت موجودة دائماً، ويقام بعض منها على مسرح القاهرة للعرائس، لكنها لا تلقى الاهتمام من الدولة ووزارة الثقافة، كذلك لا تلقي وسائل الإعلام الضوء عليها، من ثم ابتعد الناس كثيراً عن هذا الفن.ولفت إلى أن المحاولات الفردية لتنفيذ هذه العروض بدأت عام 2006 على مسرح العرائس في ساقية الصاوي شهرياً، ويحضرها عدد لا بأس به من الجمهور. كذلك ثمة فعاليات تهتم بإحياء هذا الفن والحفاظ عليه مثل «الملتقى العربي للدمى والعرائس»، وإطلاق ورش في مختلف الأماكن الثقافية. وتابع بكار في تصريحاته لـ«الجريدة» أن اختفاء عروض عرائس «الماريونت» يرجع إلى تخاذل الدولة وتقصيرها في الاهتمام بهذا المجال، من ثم تراجعت ثقافة المواطن حول هذا الفن خصوصاً والمسرح عموماً، بالإضافة إلى ظهور فن الغرافيك الذي أثر بشكل كبير في الصناعات اليدوية.في السياق ذاته، يقول محرك وصانع العرائس أحمد عبدالنعيم إن مسرح العرائس ليس في أحسن حالاته، ولكنه ليس كسابق عهده، إذ لم تعد له قاعدة جماهيرية كبيرة، بالإضافة إلى أن ثقافة الناس عنه شبه معدومة، مشيراً إلى أنه بدأ يتعافى تدريجياً في العشر سنوات الأخيرة عندما أبدت ساقية الصاوي اهتمامها به وتقدّم حفلات شهرياً، لكن على الدولة الاهتمام به بشكل أكبر، لأن السبب الرئيس وراء اختفاء فن تحريك العرائس «الماريونت» يرجع إلى نقص الإمكانات، وعدم وجود أماكن تستوعب الفنانين الصغار أو تحرص على تنشئة جيل جديد يهتمّ بهذا المجال.تأثير الغرافيك والكارتون
من جانبه، أوضح الفنان محمد سلام (مسرح القاهرة للعرائس) أن سبب اختفاء هذا الفن يرجع إلى اختفاء المسرح عموماً في مصر وقلة جمهوره، بالإضافة إلى عدم الاهتمام به وغيابه عن الجامعات، فلا نجد في أية جامعة حكومية أو خاصة شعبة لتدريس فن العرائس، ما أسفر عنه ندرة في فناني العرائس، إذ نجد في مصر 40 فناناً فقط في هذا المجال. كذلك لا ننسى أن ظهور الغرافيك والكارتون جعل مسرح عرائس «الماريونت» يفقد زهوته.ولفت سلام إلى أن استعادة مسرح العرائس تحتّم على الدولة تقديم الدعم الكافي له من خلال طرح منافذ له في أنحاء الجمهورية تتخطى مسرح القاهرة. فضلاً عن ضرورة وضع شعبة للعرائس في معهد الفنون المسرحية وقصور الثقافة، بالإضافة إلى أهمية تحسين الأحوال المادية لصانعي هذا الفن، وأن يعاملوا بما يليق بهم، لأنهم يُقدمون رسالة ثقافية وترفيهية في الوقت نفسه.وأكّد المخرج والكاتب المسرحي محمد محروس أن فن تحريك العرائس لم يختف، لكنه يشغل حيزاً قليلاً في الإنتاج، وتكمن الأزمة في عدم اهتمام الدولة بهذا الفن، موضحاً أن المسرح الوحيد للعرائس يدار بواسطة مجموعة «فاسدين» يبددون ميزانيته، ولا يقدمون محتوى جيداً يجذب الجمهور. كذلك يشير إلى أنه مهما كانت المحاولات الفردية التي تُبذل لعودة مسرح العرائس فإنها ليست بديلة عن دور الدولة في عملية إحياء التنمية الثقافية مجدداً، وعودة المسرح عموماً وليس مسرح العرائس فحسب، «فنحن نحارب في هذا البلد من أجل مواجهة المعوقات التي تعرقل الحركة الفنية».الطب النفسي
قال استشاري الطب النفسي جمال فرويز إن المسرح يشكِّل حالة من التفاعل بين الطفل (المستهدف الأول) والفن، وتكون استجابة الطفل قوية لصغر نفسه، مشيراً إلى أنه لا بد من الاهتمام بالفنون وتوعية الطفل لدورها في تشكيل ثقافته والابتعاد عن أفلام الكارتون والثقافات الغربية التي تتنافى مع ثقافتنا العربية، وتقدم محتوى غير لائق.
مشروع «أم كلثوم تعود من جديد» يقدِّم العروض أول خميس من كل شهر