تفوقت الكاتبة أروى الوقيان على نفسها وعلى كتاباتها السابقة ومقالاتها بكتابها المعنون (السمراء التي أحببت)، والمقصود بالسمراء قارة إفريقيا. هذا الكتاب نضج بالرؤية الإنسانية التي تخص كرامة حياة الإنسان في كل مكان، وخاصة فيما يتعلق بالذين يعيشون تحت خط الفقر. تابعت أروى حياتهم، أينما كانوا، ذهبت إليهم في أمكنتهم البعيدة؛ في الهند وإفريقيا ومخيمات اللاجئين والهاربين من شرور الحروب في بلادهم، تحمَّلت كل متاعب وويلات السفر لمناطقهم النائية المحفوفة بالأمراض والمخاطر، فقط لمساعدتهم، وكشف عورات فقرهم للعالم المترف برفاهية الكسل والملل من الشبع والترف الاستهلاكي، على أمل أن يفيقوا ويمدوا يد الخير والمساعدة، لانتشالهم من مستنقع الفقر والجوع والجهل والأمراض الفتاكة.
في الإصدار، تقول أروى المتطوعة لخدمة الفقراء: "حين اعتنقت الإنسانية هذبتني كثيرا، علمتني كيف أستطيع التحمُّل أكثر، وأنا البنت المرفهة. تعلمت الكثير عن نفسي وعن طاقاتها، بتُ أفخر بمدى قدرتي على تحمُّل الألم النفسي، بعد أي شيء قبيح أو مؤلم أسمعه من اللاجئين والمنكوبين. أنا عن نفسي حين أحلم بشيء لا أنتظر المعجزات لكي تتحقق، بل أسعى سعي فلاح في أرض مقفرة. لا أرتاح ولا أنام إلى أن أحققه".تمثل أروى الوقيان بادرة رائدة في العمل التطوعي الفردي بالكويت كفتاة شابة تعمل وحدها بشق طريق ريادي بات قدوة للشباب من حولها الذين بدأوا يتبعونها ويساعدونها بعملها التطوعي الفردي في الكويت، وهذا لا يعني أنه لا توجد أعمال تطوعية أخرى، بل بالعكس الكويت سبَّاقة في أعمالها الخيرية الإنسانية حول العالم كله، لكنها أعمال ليست فردية، مثل: الهلال الأحمر ومؤسسات الدولة، وهناك مبادرات فردية يقوم بها رجال، مثل: الأعمال الخيرية التطوعية العظيمة التي قدمها د. عبدالرحمن السميط لقارة إفريقيا من مستشفيات ومدارس وجامعات وحفر آبار ومراكز إسلامية وغيرها، لكن أن تأتي مبادرة تطوعية من فتاة شابة ترهن نفسها ووقتها ومالها وصحتها لخدمة وإنقاذ أناس منسيين من العالم الغاطس في لهوه وحياته ومتعه، فذلك قمة الوصول إلى الوعي الإنساني الخيِّر والمتجرد من أنانية حب الذات.رحلاتها التطوعية إلى إفريقيا تكشف فقر الناس واحتياجاتهم القصوى إلى ماء صالح للشرب، ومكان يأويهم ويستر عورة كرامتهم الإنسانية، والقليل الذي يُبقيهم على قيد الحياة، ويوفر لهم نوعا من الحياة الآدمية.وتقول أروى في كتابها: "كيف لمعجون أسنان ولعبة أن تسعد أشخاصا لدرجة الاحتفال؟ في أحد الصفوف تم شكرنا والرقص من شدة الفرح على بعض ملابس مستعملة وألعاب ومعجون أسنان. من لا يمتلك شيئا من الممكن أن يسعده أي شيء، وهذا الدرس لم أكن لأستوعبه من قبل، لأنه لم يخطر في بالي أصلا".إفريقيا هذه القارة الغنية بهبات الطبيعة كيف لها أن تجوع ويموت أُناسها من العطش والجوع والمرض؟لولا هؤلاء المستعمرون الذين سرقوا خيراتها وجففوا ضرعها واحتلوها ونهبوا ثرواتها عن بكرة أبيها، حتى مواطنيها تم الاتجار بهم وبيعهم كرقيق لأميركا وجميع بلاد العالم، والغريب حتى بعد استقلال هذه الدول مازالت نفوس السكان تتقبل إعلاء قيمة الفرد الأوروبي على قيمتها، بسبب هذا الاستعمار الطويل، الذي كان رابضاً على أراضيها، فقد قام بغسل مخ الإنسان فيها، وجعله يؤمن إيمانا مطلقا بتفوق الأوروبي عليه، وبقبوله ورضاه التامين بقلة قيمته مقارنة به، وهذه فقرة من الكتاب اقتباسا من هيغل: "العبودية هي خاصية إفريقية بامتياز، إذ إن في كل الممالك الإفريقية المعروفة تشكل العبودية مؤسسة محلية، وهي تطغى بشكل طبيعي".وبجوار هذا الفقر الفادح هناك المنتجعات السياحية التي يتمتع بخيراتها من يملك المال. وهذا مقتطف يفضح الحال حين يصرح الدليل بهذا الكلام: "نحن نطبخ أشهى اللحوم للسياح، ولا نأكلها سوى مرة في السنة، بعيد الأضحى، وبتبرعات من المحسنين".كتاب أروى الوقيان كشاف لواقع يخجلنا ويجرح إنسانيتنا أن نكون في زمن واحد مع هذا التفاوت الكبير ما بين حياتنا وحياة الكفاف لديهم: "من يزور إفريقيا لن يرجع كما كان، شيء ما بداخلك سيتغير، تتعلم من الناس أنه رغم كل هذه المعاناة، فإن أبسط الأشياء تسعدهم، الرقص هو ترياق الحياة بالنسبة لهم يطردون همومهم من خلاله، ما أجمل أن ترقص رغم وقاحة الفقر!".
توابل - ثقافات
السمراء التي أحببت
18-12-2017