«أمكنة إسماعيل» عندما يرتدي الإنسان قناع الجنون ليهرب من السلطة
قدمتها فرقة المسرح العربي ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان الكويت المسرحي
خاض المخرج أحمد فؤاد الشطي مغامرة بالتصدي لنص «أمكنة إسماعيل» للكاتب هوشنك وزيري، ليمثل فرقة المسرح العربي في مهرجان الكويت المسرحي.
قدمت فرقة المسرح العربي عرض «أمكنة إسماعيل»، ضمن فعاليات مهرجان الكويت المسرحي الثامن عشر، أمس الأول، على مسرح الدسمة، وسط حضور جماهيري كبير.نص «أمكنة أسماعيل» للكاتب العراقي هوشنك وزيري، الفائز بالمركز الأول في جائزة الهيئة العربية للمسرح لنصوص الكبار عام 2015، يحفز أي مخرج لخوض تجربة تفكيكه وعرضه بصريا، بل المنافسة به في واحدة من أهم الفعاليات المسرحية بالكويت والخليج، وهو ما أقدم عليه المخرج أحمد الشطي في مغامرة غير مأمونة العواقب، لاسيما أن النص حصد العلامة الكاملة سابقا، ويبقى الشطي أمام اختبار حقيقي.«أمكنة إسماعيل» من تأليف هوشنك وزيري، وإخراج أحمد الشطي، وتمثيل: أحمد الحليل، أسامة ناصر، مصطفى ناصر، محمد المهنا، طالب الشمري، ليالي، وموسيقى يوسف الحشاش، وتصميم الديكور أحمد كرم، وإضاءة فهد الفلاح، والإشراف اللغوي خالد المفيدي، ومدير الإنتاج ياسر العماري.
تدور أحداث المسرحية حول شخصية إسماعيل، المعتقل السياسي الذي يخضع لجميع أنواع التعذيب، ما يضطره إلى ادعاء الجنون، للهروب من المعتقل، فيعيش في منطقة رمادية بين عالم الأصحاء والمجاذيب، قد يبدو ظاهريا أنه ينتمي للمجانين، لكنه في قرارة نفسه يدرك جيدا أنه يتمتع بكامل قواه العقلية، وأن ما يدعيه ما هو إلا قناع يحاول أن يتستر خلفه، ويحتمي به من بطش السلطة.وفي المستشفى يلتقي إسماعيل الطبيب ونجلته، ويمضي في خدعته، محاولا التغلب على فراسة الطبيب والتحايل على مكره ودهائه. يضعه الطبيب أمام ما حدث له قبل 15 عاما، وكيف وجدوه ملقى أمام أبواب المستشفى، بعد أن يئسوا منه، لكن إسماعيل، الذي ذاق ويلات التعذيب ونُكل به، يأبى أن يسقط قناع الجنون، حتى يضطر طبيبه ليقر بجنونه.إذا كان هوشنك، ككاتب، استطاع أن يعبِّر عن مأساة وطنه، وتعرض الإنسان للاضطهاد والتعذيب لتحجيم رأيه، من خلال نص محبوك، فإن الشطي غابت عنه الحلول الإخراجية، واعتمد عنصر التمثيل، فكان الحليل الذي لعب شخصية إسماعيل أحد أهم أدواته، بل إنه استهلكه، فأصبح العمل أقرب إلى مونودراما الممثل الواحد. نعم إسماعيل هو محور الأحداث، لكن هناك أبعادا نفسية واجتماعية أخرى كانت تحتاج من المخرج إلى تفكيك وإعادة صياغة، وفق رؤية بصرية، لإيجاد حالة من التناغم بين جميع مكونات العمل المسرحي، حتى لا يسقط العمل في فخ الملل.
«لمسة وفاء»
من جهة أخرى، نظمت إدارة مهرجان الكويت المسرحي الـ18 ندوة فكرية حول مسيرة الفنان الراحل عبدالحسين عبدالرضا، بعنوان «لمسة وفاء»، تحدث فيها د. فيصل القحطاني رئيس قسم التلفزيوني بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وتناول في حديثه أزمة النص الدرامي وتجليات الحلول الإبداعية عند عبدالحسين عبدالرضا، وأستاذ النقد المسرحي بالمعهد العالي للفنون المسرحية د. محمد عبدال، وأستاذ النقد والأدب المسرحي بالمعهد العالي للفنون المسرحية، ود. جاسم الغيث، وأدارت الندوة الإعلامية أمل عبدالله.بداية، قال د. القحطاني: «شغل الفنان الراحل عبدالحسين عبدالرضا في الذاكرة الجمعية الكويتية والخليجية والعربية حيزا كبيرا حافلا بالإبداع الفني، وهذا يعود بشكل رئيسي إلى تعدد مواهبه، فلم يقتصر إبداعه على فن التمثيل والغناء، بل كان مؤلفا ومُعدا ومشرفا فنيا على الكثير من العروض المسرحية والتلفزيونية، لذا يستحق أن يكون إبداعه إرثا محفورا في ذاكرة الفن العربي، فهو قامة فرضت بجدارة تقديرها واحترامها، بما قدمه على مدى أكثر من خمسين عاما، فنسأل الله له الرحمة والغفران».فك الاشتباك
وأوضح أن هذه الدراسة ستسعى إلى فك الاشتباك الموجود عند الكثيرين ممن يخلطون بين المسرح والدراما الكويتية ما قبل عام 1990، وهي سنة الغزو العراقي على الكويت، والفترة التي تلتها، فالاشتغالات المسرحية التي سبقت فترة الغزو، هي محاولات لإيجاد مسرح لديه قدرة على ترسيخ الهويات الخاصة: الكويتية والخليجية، والعامة: العربية والإسلامية. وأضاف: «أما المسرح، وكذلك الدراما التلفزيونية الكويتية ما بعد فترة الغزو، فعاشا حالة الانكفاء على الذات لفترة من الزمن، ثم الانفتاح من جديد على دراما متغيرة في شكلها ومضمونها، وهذا يعود للتقلبات السريعة الناتجة عن ذلك التقدم التكنولوجي، والذي غيَّر كثيرا من طبيعة المجتمعات العربية، سواء في جوانبها الثقافية والفكرية، أو السياسية والاقتصادية».تقنيات الكتابة
وحول تقنيات الكتابة الكوميدية في مسرح عبدالرضا، قال د. محمد عبدال: «يُعد عبدالحسين أحد أهم الممثلين الكوميديين في الكويت وأشهرهم، وأفاد من خبرته الطويلة في الأداء الكوميدي، ومن قراءاته للنصوص الكوميدية العربية والعالمية، ما أهَّله للجمع بين التمثيل والكتابة الدرامية، فضلا عن احتكاكه بالعديد من الفنانين المصريين، سواء أثناء وجوده في مصر، أو أثناء وجودهم في الكويت، وكان من أوائل تلاميذ زكي طليمات».اللهجة العامية
وتابع: «يميل عبدالرضا إلى استخدام اللهجة العامية في الحوار، في محاولة للتقرب من عامة الشعب، ومن الحياة الواقعية اليومية للجمهور، فإذا كان قدم عروضا باللغة الفصحى في بداياته، فهذا أمر طبيعي، لأن هذا النوع من المسرحيات بمضمونه التاريخي - الاجتماعي، كان يعكس رغبة زكي طليمات في الإفادة من الشعور القومي العربي الذي كان سائدا في الساحة الوطنية العربية، لشحن الجمهور وحثه على تقبل المسرح الأدبي، والنموذج المصري الذي جاء به كان يقوم وقتها على أسماء معروفة في العالم العربي كله، وليس مصر فقط». من جانبه، تكلم د. جاسم الغيث حول استراتيجية الجسد في الأداء التمثيلي عند عبدالحسن عبدالرضا، فقال: «يبقى الحضور الإنساني في التجربة الدرامية ركيزة أساسية لكيان العمل الدرامي، فالفنان عبر طاقاته التمثيلية وجسده المتشكل في الفراغ المسرحي والدرامي يحيل العالم المجرد الصامت إلى عالم ينطق بالحيوية والدلالات وفيضا من المعاني والأفكار في علاقة تبادلية نابضة بينه وبين المتلقي أو جمهور المشاهدين».
«لمسة وفاء» ندوة فكرية حول مسيرة الفنان الراحل عبدالحسين عبدالرضا الفنية