عانى البلد قبل فترة بسيطة أزمة ألقت بظلالها على الجميع، هي أزمة سحب السيارات المخالفة لعدم ربط حزام الأمان، أو مخالفة التحدث بالهاتف النقال.ولا ندخل هنا في دستورية سحب السيارة من عدمها، وما شاب ذلك القرار من آراء، ومخالفته نص المادة 19 من الدستور، الذي ينص على أن «المصادرة العامة للأموال محظورة، ولا تكون عقوبة المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائي»، إذ إن مناقشة أمر دستورية القرار من عدمه مرهونة إلى أن تقضي المحكمة الدستورية بذلك، ولم يتقدم أحد صاحب مصلحة بالطعن أمام المحكمة لتقرر هي بذلك.
لكن «الداخلية» استطاعت أن تسحب فتيل تلك الأزمة، عبر تجميد قرارها، وتشكيل لجنة بالتنسيق مع «الفتوى والتشريع» لدراسة قانون مرور جديد، وهذه البادرة، وإن كانت متأخرة، جيدة، فهي تدل على اعتراف ضمني بعدم مواكبة قانون المرور الوقت الحالي، فالقانون المعمول به حالياً صدر سنة 1976 (إبان فترة تعطيل المجلس)، لذلك جاء فضفاضاً، وترك سلطة تقديرية واسعة لوزير الداخلية ببسط بعض القرارات والتعديل عليها، ومن ثم أدت تلك السلطة التقديرية إلى عدم مواجهة ضغوط الرأي العام أحياناً في بعض المخالفات عند تطبيقها، وإلى التراجع عنها كما حدث أخيراً، ومخطئ من يعتقد أن الأمر يقتصر على ذلك، بل إنه من الممكن أن تطل علينا أزمة جديدة، لو تم تفعيل بعض مواد قانون المرور ذاته، ولو تم النظر مثلاً على أثر بعض المخالفات الواردة في المادة 37، وما تحمله من أفعال في اللائحة التنفيذية، ومنها على سبيل المثال: «ارتداء البرقع أو النقاب أثناء القيادة»، ومخالفتها 15 ديناراً، فهل سيتحمل البلد تبعات ذلك التطبيق لو حدث فعلاً؟ ماذا لو استنكر الشارع هذا التطبيق، وخصوصاً مع انتشار النقاب في المجتمع، وعدم منطقية تطبيقه، وتعارض ذلك أصلاً مع الدستور ومبدأ الحرية الشخصية؟وهل سيتحمل البلد إذا تم التشديد على المادة 10 من القانون ذاته، التي «حظرت على ورش إصلاح السيارات قبول إجراء أي إصلاحات بأي مركبة تكون ناجمة عن حادث إلا بعد تقديم إذن كتابي صادر من وزارة الداخلية»، هذا التشدد سيحمل ردة فعل من جانب الكثيرين الرافضين للذهاب إلى مراكز الشرطة عند وقوع الحوادث، وتسجيل قضية، مفضلين الصلح والتسامح، إذاً وبنظرة عامة لهذا القانون سنصل إلى نتيجة مفادها عدم تناسب ما تم إقراره من مواد مع الدستور ومبادئه، وكذلك عدم تناسب تلك العقوبات مع الوقت الحاضر، وما تحمله تلك المواد من لغط كبير في المجتمع يحتم على المُشرع النظر في القانون برمته، إذ إن القانون، وعبر مذكرته الإيضاحية، أكد أن إعداد هذا القانون قد استرشد في المشروع الموحد لقواعد المرور على الطرق في الدول العربية، فهل نكتفي بقواعد المرور العربية؟ المواطن أو المقيم في الكويت ليس كما هو في 1976، ونظرته ليست محصورة فقط في الدول العربية، فهو بالتأكيد اطلع على الأنظمة الحديثة والمتطورة في الدول المختلفة، وكيفية تطبيقها قانون المرور، لذلك يتوجب على المُشرع أن تتسع نظرته، وتصبح أكثر شمولية لوضع تشريع جديد يتلاءم مع الوقت الحالي، وألا ينحصر التعديل فقط على القانون أو مواده الفضفاضة، أو ما يحمله من سلطات تقديرية واسعة للوزير، أو ما يحمله من مواد تشوبها عدم الدستورية، بل يجب عليه أن يشمل بتعديلاته أيضاً ما رسمه المُشرع من القانون رقم 22 لسنة 1960 والخاص بتنظيم محكمة المرور، فقانونها لا يتناسب مع التطور الحاصل في المحاكم فحسب، بل لا يتناسب أيضاً مع تشكيل المحكمة، وما تضمنته المادة 2 منه، والتي تنص على «أن تشكل محكمة المرور من قاض من بين قضاة المحكمة الكلية، ومن مدع عام يعين بقرار من رئيس العدل بالاتفاق مع رئيس دوائر الشرطة والأمن العام».هذا النص وغيره من نصوص قانون محكمة المرور يحتاج إلى تغيير شامل لا يقتصر أمره على التشكيل فحسب، بل يجب أن يمتد لتصبح محكمة تكنولوجية بالكامل، لا مكان للورق بها، تكنولوجيا تقضي على مسلسل تأخير المخالفات وعدم تحويلها من ادعاء المرور إلى المحكمة، تكنولوجيا تخفف تراكم المخالفات والملفات على السادة القضاة، وتساعدهم في النظر وإصدار القرارات من خلال جهازهم النقال أو الإنترنت دون ضرورة وجودهم بالمحكمة.
مقالات
أزمة قانون المرور
19-12-2017