هناك حملة محمومة من وسائل الإعلام كافة تريد منا أن نحب "إسرائيل" ونكره إيران، ويوفر لهذه الحملة جنود في إيران يعملون كل ما من شأنه تأليب العرب ضد إيران، وتأتي الولايات المتحدة الأميركية لتستغل هذا القلق وتصب الزيت على النار، ثم تقدم البديل للعرب لمواجهة إيران: "إسرائيل" ولولا تسرع الرئيس ترامب واعتقاده أن العرب قد ابتلعوا الطعم وألقى بقراره اعتبار القدس عاصمة لـ"إسرائيل" لربما انتقلت الدعوة إلى مرحلة التنفيذ وجرى ما يراد بنا من اختيار لأسوأ عدو لنا واتخاذ موقف معاد لدولة إسلامية يمكن تهدئتها وإعادتها للسلم بدون اقتتال. "إسرائيل" التي اعتدت علينا ألف مرة واقتطعت الأراضي العربية منذ دخول اليهود لفلسطين في بداية القرن الثامن عشر واستمرارها في قتل شعبنا في فلسطين وقتل عشرات الآلاف في مصر وسورية، ومن شارك في حروب 48 و67 و73 والتي تعلن في كل يوم استعدادها لمواجهة الدول العربية كافة، والتي أرسلت الدواعش وخططت مع الدول المتحالفة معهم والداعمة لهم لتقسيم الوطن العربي وإضعافه والسيطرة عليه، تريدون لنا أن نعتبرها حليفنا في حرب ضد جارة مسلمة هي إيران؟
إيران قد يبدو في أفعالها طيش وتكبر واستفزاز لا معنى له بفضل تصريحات بعض قادتها العسكريين وإعلامهم، لكنها بالتأكيد ليست بسوء "إسرائيل" ولا يمكن مقارنتها بالكيان الصهيوني، وان كان فيها من يريد غلبة الفرس وإعادة التاريخ إلى الوراء، فإن فيها شعبا قد كلفته الحروب كثيراً، وصار يطالب بوقف كل أنواع التدخل في شؤون الآخر. إيران أيضا تدرك بلا شك نتائج حروب الفرس في كل الأزمنة، وأنها كانت تعود في النهاية وقد خسرت كل الأراضي التي احتلتها، ليس بسبب طائفيتها ولكن بسبب أن الشعوب العربية لم تقبل بالفرس ولا غيرهم غزاة على أرضها، وحقائق التاريخ أيضا تقول إن الشيعة كانوا على طول البلاد العربية وعرضها، وكانت إيران البلد السني الوحيد وقتها، ولم يمض وقت إلا وعادت الأمور إلى ما كانت عليه قبل الاحتلال، ولتنقلب إيران على الحكم السني بحكم شيعي، ولتبقى الدولة الشيعية الوحيدة منذ مئات السنين. بالقلق الذي يثيره بعض القادة العسكريين في إيران دخلت الولايات المتحدة لإعلان وقوفها مع عرب الخليج ومساندتهم ضد الطيش الإيراني، لكن بثمن غال، وهو الاعتراف والتطبيع مع "إسرائيل" والتحالف معها لإيقاف إيران عند حدها. الولايات المتحدة ظنت أن الوقت قد حان لتبتلع إسرائيل هذه المنطقة الغنية من العالم، وليس أفضل من استغلال حالة القلق.ما لم تفكر به الولايات المتحدة هو البديل الأفضل لنا، فشعبيا فكرة التحالف أو حتى التقارب مع "إسرائيل" هي فكرة مرفوضة من الأساس، لأنها عدو العرب الأول، ولن يهدأ للعرب بال إلا بتحرير كل الأرض العربية بما فيها فلسطين قبل 1948، وإيران بلا شك أقرب لنا من الكيان الصهيوني، بل إننا نتشارك معها في العداء لهذا الكيان، ونستطيع أن نتعامل مع إيران بوسيلتين دون أن ندخل في أي مواجهة تراد لنا ولأغراض خبيثة تحضر لها أطراف عندنا وعند إيران. إما إن نجلس مع إيران على طاولة المفاوضات ونحل كل المشاكل القائمة، وهذا سيحدث عاجلا أو آجلا وإن كنت أتمنى أن يتم عاجلا وقبل أن نصل إلى مرحلة الاضطرار للجلوس، وإما أن نترك الأمور كما هي عليه الآن، فربما تنتهي أسباب المحرضين لدى إيران لو أصبحت علاقتنا مع الولايات المتحدة وحلفائها متكافئة ولم نعد نخضع لشروطها.يبقى أن ننتبه لمضرمي النيران عندنا من تجار السلاح، فهؤلاء سيعملون بكل وسيلة لإثارة الفتن، فالسلم يحرق تجارتهم وصانعو الأسلحة يمدونهم بكل وسائل الفتنة ويجندون لها إعلامهم لتضخيم أي عمل صغير وجر الناس إلى حروب طائفية، رأينا ما عملت في العراق وسورية وليبيا واليمن وكادت أن تحرق مصر لولا أن الله سلم، فاحذروا هؤلاء.إيران أم "إسرائيل"؟ من قال إننا أمة عاجزة أن تقف لوحدها لما فيه مصلحتها؟
مقالات
إيران أم «إسرائيل»؟
19-12-2017