خرافة التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري

نشر في 19-12-2017
آخر تحديث 19-12-2017 | 00:06
لن يكون من المفاجئ لو رفعت معظم الدول الموقعة على اتفاقية باريس للمناخ 2015 فعليا استهلاكها للطاقة في السنوات القادمة والتحول إلى الوقود الأحفوري لأنها لا تستطيع تحمل تكلفة أي خيار آخر.
 بروجيكت سنديكيت إن كيفية استخدام العالم للطاقة هو موضوع ساخن لكوكب يعاني ازديادا في درجات الحرارة علما أن المخاوف من التلوث ونقص الموارد قد أدت إلى سباق محموم لإيجاد استراتيجيات تتعلق بكفاءة الطاقة، فمن الاتحاد الأوروبي إلى الصين تحاول الاقتصادات جاهدة التقليل من الاستخدام المكثف للطاقة وذلك بمساعدة الابتكارات التقنية والتغييرات التشريعية.

لكن على الرغم من تلك الوعود فإن طلب المستهلكين على الطاقة من المتوقع حسب وكالة الطاقة الدولية أن يرتفع، وذلك حتى سنة 2040 على أقل تقدير، ومع ازدياد حاجة العالم للطاقة، كيف يمكن لصناع السياسات أن يضمنوا العرض؟

حتى نكون صريحين يجب على العالم ألا يقلق عندما يتعلق الأمر بالاحتياطات، فبعد 40 سنة من الخوف من نقص الطاقة دخلنا اليوم في عصر الوفرة، فنحن بحاجة إلى أن نحترس من الطروحات غير الصحيحة لا من الموارد الشحيحة.

فالذي يجب أن يتلقى اللوم فيما يتعلق بهذه القصة هو نادي روما (مركز أبحاث عالمي تسبب في المخاوف المتعلقة بالطاقة في السبعينات، وذلك بتنبؤاته السخيفة المبنية على أساس نماذج مشكوك فيها)، وكتابعين مخلصين لتوماس مالثوس وبول أيرليخ جادل النادي بأن الأشياء السيئة تأتي من النمو المتسارع والأشياء الجيدة، تأتي من النمو التدريجي، وهذه الفكرة أشعلت التوقع بأن النفط سينفد من العالم بحلول سنة 2000.

إن تبني الدول المتقدمة هذه الفكرة العقائدية غير الصحيحة أدى إلى تمكين قادة مثل معمر القذافي في ليبيا والخميني في إيران من استخدام احتياطهاتهم النفطية كأدوات من أجل معارضة الغرب، بسبب دعمه لإسرائيل وهذا ساهم في الصدمات النفطية في فترة السبعينيات، وعزز التصور الخطأ بأن الاحتياطات الهيدروكربونية محدودة بشكل أكبر ومحصورة بشكل عام في الشرق الأوسط. والتقدم السريع في التقنية وخصوصا في مجال الاستكشاف والقدرة على استخراج الهيدروكربون في أماكن جديدة أدى في نهاية المطاف إلى دحض ذلك الطرح، واليوم فإن أزمة الطاقة ليست عائدة إلى النقص بل الخوف من التلوث.

لكن هذا الخوف لم يبطئ من عاداتنا المتعلقة بالاستكشاف بل على العكس من ذلك فإن السياسات والقانون الدولي مثل معاهدة الأمم المتحدة المتعلقة بقانون البحار قد تم تبنيها لتمكين الاكتشاف، فلو نظرنا على سبيل المثال إلى حقل غاز روبوما قبالة ساحل موازمبيق لوجدنا أن هناك مجموعة من الشركات العالمية "كونسورتيوم" من بلدان تضم إيطاليا والصين تستعد لبدء عملية الإنتاج؛ مما يعني أن واحدة من أفقر الدول الإفريقية هي في الطريق لجني فوائد عظيمة من وراء ذلك.

وإن اسرائيل كذلك التي كان يعتقد في السابق أنها المكان الوحيد في الشرق الأوسط بدون هيدروكربونات تجلس على 800 مليار متر مكعب من احتياطات الغاز قبالة سواحلها، أي أكثر من 130 سنة من الاستهلاك السنوي لإسرائيل من الغاز، وبعد أن كانت مستوردة لصافي الطاقة أصبحت إسرائيل تواجه اليوم التحدي الحقيقي المتمثل بتصدير ثروتها الكبيرة من الغاز.

لكن ربما أكبر ثورة في أسواق الطاقة العالمية والتي تحركها التكنولوجيا في السنوات الأخيرة قد أتت من إنتاج الغاز الصخري والزيت الصخري في الولايات المتحدة الأميركية، واليوم تنتج أميركا 8.8 ملايين برميل يوميا مما يعني أن إنتاج النفط الأميركي هو الآن أعلى من العراق وإيران معاً، كما يتم اليوم تصدير الغاز الصخري الأميركي إلى آسيا وأميركا اللاتينية وأجزاء من أوروبا، وهذه الأسواق كانت مقتصرة منذ فترة طويلة على قطر وروسيا وأستراليا، واليوم تدخل صناعة الغاز الطبيعي المسال العالمية مثل سوق النفط مرحلة الإنتاج الزائد.

لقد ساهمت هذه التطورات معا في أسعار طاقة أقل، وقللت من قوة الأوبيك، ونظراً لتفضيل قطاع النقل للغاز الطبيعي المسال (وخصوصا شركات شحن البضائع والشحن البحري) لأسباب بيئية فقد اختفت القدرة على استخدام النفط كسلاح جيوسياسي، وقد كانت إيران في أشد الحاجة لزيادة صادراتها من النفط لدرجة أنها وافقت على التخلي عن برنامجها النووي (من اللافت للنظر أن الصفقة النووية مع إيران تتضمن كلمة "النفط" 65 مرة).

يتم عادة تقديم الرياح والطاقة الشمسية كبدائل عن النفط والغاز، لكنهما غير قادرتين على منافسة المصادر التقليدية لتوليد الكهرباء، فلو كان لديهما القدرة على ذلك لما كان هناك داع لقيام الاتحاد الأوروبي بدعم إنتاج الطاقة المتجددة من خلال التشريع، وبالإضافة إلى ذلك وفي حين تعمل طاقة الرياح والطاقة الشمسية على توليد الكهرباء فإن أكبر متطلب للطاقة يأتي من التدفئة، وفي الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال تمثل الكهرباء 22% فقط من الطلب النهائي على الطاقة في حين تمثل التدفئة والتبريد 45% ويمثل النقل نسبة 33% المتبقية.

وكل هذه العوامل تساعد في تفسير لماذا الوقود الأحفوري الذي يلبي حاليا أكثر من 80% من احتياجات العالم من الطاقة سيبقى العمود الفقري لإنتاج الطاقة للمستقبل المنظور، وهذه قد لا تكون أخبار طيبة لأولئك الراغبين في البدء فورا في عملية التخلص التدريجي من الهيدروكربونات، ولكن ربما سيجدون بعض العزاء في حقيقة أن الابتكار التكنولوجي سيؤدي دورا رئيسا في تقليل التأثيرات السلبية على جودة الهواء والماء.

وفي خضم المناقشات العالمية المتعلقة بتغير المناخ فإن من المفهوم أن تعد الاقتصادات المتقدمة بتحقيق مكاسب كبيرة فيما يتعلق بفعالية الطاقة، وفي حين أن الاتحاد الأوروبي قد يكون ملتزما بتخفيض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون فإن دولا أخرى موقعة على اتفاقية باريس للمناخ لسنة 2015 لا يبدو أن لديها التصميم نفسه، ولن يكون من المفاجئ لو رفعت معظم الدول الموقعة فعليا استهلاكها للطاقة في السنوات القادمة والتحول إلى الوقود الأحفوري لأنها لا تستطيع تحمل تكلفة أي خيار آخر.

ستبقى سياسة الطاقة على أجندة الاقتصادات المتقدمة لسنوات عديدة قادمة، وفي حين تعمل البلدان على تحقيق توازن بين أمن العرض والأهداف البيئية يجب عليها كذلك الالتزام بأن تكون لديها الحقائق الصحيحة.

* صامويل فرفاري

* أستاذ الشؤون الجيوسياسية للطاقة في جامعة ليبري دي بروكسيل، ومؤلف كتاب "عالم الطاقة المتغير والتحديات الجيوسياسية".

«بروجيكت سنديكيت، 2017» بالاتفاق مع «الجريدة»

أميركا تنتج اليوم 8.8 ملايين برميل يومياً من الزيت الصخري وهو أعلى من العراق وإيران معاً
back to top