«الدرة للعمالة المنزلية»... المعالجة المنحرفة تخلق صداعاً في السوق
• حماية المنافسة وضمانها أعمق وأشمل من مجرد خفض الأسعار قسرياً
• ماذا لو كان التعثر في ملف يرتبط بقطاعات أكثر أهمية كالكهرباء مثلا؟!
العمالة المنزلية في الكويت نحو 690 ألف شخص، يندرجون تحت مسمى «الخدم ومن في حكمهم»، يمثلون نحو 15 في المئة من سكان الكويت و22 في المئة من الوافدين، كما أنهم يمثلون مقارنة بالشريحة الأكثر تعاملاً معهم، أي «المواطنين»، 50.5 في المئة.
أفضت المعالجة غير الحصيفة لمشكلة ارتفاع أسعار العمالة المنزلية في الكويت إلى فشل تجربة تأسيس شركة الدرة، بمجرد بداية أعمالها، مما بات يهدد كيانها ويمهد لاحتمال إلغاء ترخيصها!فمنذ البداية كان تأسيس شركة متخصصة لاستقدام العمالة المنزلية برأسمال 3 ملايين دينار من جهات حكومية وشبه حكومية وأهلية؛ هي الهيئة العامة للاستثمار ومؤسسة التأمينات الاجتماعية وشؤون التأمينات والقصر وشركة الخطوط الكويتية والمساهم الاكبر اتحاد الجمعيات التعاونية، يعبر عن انحراف حاد في دور الدولة في التعامل مع أي أزمة أسعار أو خدمات، فدخولها كمنافس لشركات العمالة المنزلية يناقض دورها المفترض اقتصاديا وقانونيا في توفير البيئة السليمة للمستهلكين وتنظيم السوق وحماية المنافسة فيه، وهي أمور أعمق وأشمل من مجرد عملية خفض الأسعار قسرياً، وخارج المعادلات التي تتحكم في العرض والطلب.
الممارسات الضارة
كان الأجدى منذ البداية، قبل بيع الوهم السياسي والانتخابي للأسر، بأن هذه الشركة ستعمل على خفض اسعار استقدام العمالة المنزلية بمجرد دخولها للسوق، أن تكون المعالجة ضمن القواعد السليمة أولاً، من خلال القانون رقم 10 لسنة 2007 في شأن حماية المنافسة التي تجرم الممارسات الضارة في أي سوق، ومنها العمالة المنزلية، كالاتفاقات والعقود والممارسات المنسقة بين المنشآت، والتي تؤثر في أسعار المنتجات او الخدمات محل التعامل بأي صورة تتعارض مع آلية السوق السليمة، وهو ما يحدث في سوق العمالة المنزلية؛ إذ يسيطر عدد محدود من المكاتب على سوق الاستقدام، من خلال اتفاقات وتنسيقات تفضي الى ارتفاع الاسعار الى مستويات غير مسبوقة.وجهاز حماية المنافسة صدر قانونه عام 2007، وبدأ أعماله بعدها بـ 9 سنوات، أي عام 2016 (...)، وتم تغيير مجلس إدارته، مؤخراً، مما يجعله أمام تحدي مجلس الادارة السابق الذي أصدر دراسته الخاصة بـ"تحسين أداء أسواق مزادات الأسماك في الكويت"، فارتفعت الأسعار بعدها، بمعنى أن العمل الوحيد لهذا الجهاز تحول لاحقاً إلى أزمة تهدد الأمن الغذائي للمستهلكين في الكويت.تسهيل التراخيص
وحماية المنافسة تستوجب أيضاً تسهيل ومرونة استخراج التراخيص، لكسر احتكار شركات العمالة المنزلية أو لنقل الاتفاق بينها، فكلما زاد عدد المكاتب والشركات العاملة بالسوق صعُب الاتفاق على سياسات ضارة بالمنافسة، لذلك يجب العمل على خفض قيمة الضمان المالي البالغ حالياً 100 ألف دينار، يضاف اليها 40 الف دينار لفتح أي فرع جديد، لأن هذه المبالغ تقلل حجم المنافسة وتسهل الاتفاق بين الفئات القليلة من شركات العمالة المنزلية، إضافة إلى وجود مبرر اقتصادي معقول لقرارات وزارة الداخلية وقف إصدار تراخيص شركات العمالة المنزلية، كما يفترض بالدولة ان تسهل عملية الاستقدام، من خلال فتح اسواق جديدة للعمالة المنزلية لتنويع الخيارات في الدول التي تعرقل الاستقدام للكويت ومنطقة الخليج، وبالتالي تكون الاسعار في النهاية معقولة لطالبي الخدمة.690 ألفاً
الحديث عن العمالة المنزلية معقد وحساس، تختلط فيه التجارة والتركيبة السكانية وضرورات حقوق الانسان بالمزايدات السياسية، ففي الكويت حاليا نحو 690 ألف شخص يندرجون تحت مسمى "الخدم ومن في حكمهم"، يمثلون نحو 15 في المئة من سكان الكويت و22 في المئة من الوافدين، كما انهم يمثلون مقارنة بالشريحة الاكثر تعاملا معهم، أي "المواطنين"، 50.5 في المئة، وهذه نسب تشير الى اختلالات واسعة في ملف الاعتماد على العمالة المنزلية بكل ما تحمله من ابعاد اجتماعية وثقافية واستهلاكية، وبالتالي فإن جانبا مهما من المشكلة يتعلق بطالبي الخدمة مثلما يتعلق ايضا بجشع شركات العمالة المنزلية، وأيضا من استسهل الحل السياسي-الشعبوي في المعالجة، على حساب منطق السوق.الكهرباء مثلاً
وما حدث لشركة الدرة يفتح المجال للتساؤل: ماذا لو كان الأمر يتعلق بسوق أكثر اهمية من العمالة المنزلية؟ كأن تخصص الدولة مثلا قطاع الكهرباء، ثم تكتشف وجود سياسيات احتكارية او ضارة بالمنافسة في السوق... فما العمل؟ أكثر الاخطاء شيوعا في هذا الاطار ما يعرف بـ "ضبط ومراقبة الأسعار"، وهو المصطلح الدارج في بيانات مجلس الوزراء عند حدوث اي حالة غلاء غير مبرر في سعر أي سلعة أو خدمة، من العمالة المنزلية الى البصل، مرورا بمنتجات مواد البناء وغيرها، فالأولى من مراقبة السوق هو حماية المنافسة ومحاربة احتكار السلع وتحقيق قدر عال من تكافؤ الفرص بين عناصر السوق من مقدمي السلعة ومستهلكيها، وبالتالي ينتقل دور الدولة من منافس الى صانع سوق يتولى مراقبة نزاهة المنافسة ويحارب العمليات الضارة بها، ويرفع من مستوى الخيارات لدى العملاء والمستخدمين، ويشجع المستثمرين في القطاع على الاستمرار والتنوع والابتكار.الغرق في «شبر»
في أي قضية، مهما كانت محدودة وصغيرة، يمكن للمعالجة الخارجة عن إطار المنطق ان تؤدي الى نتائج سيئة وأمثلة أسوأ... وليس هناك أسوأ من ان تتخلى الدولة عن دورها في التنظيم لقطاع محدود وسهل، لتدخل كمنافس فاشل في السوق، ثم تحدثك عن عمليات خصخصة للصحة والتعليم والنفط والكهرباء، وهي التي "غرقت في شبر" العمالة المنزلية.