ما أسهل إدانة الأجيال الشابة بالكسل العقلي، وفقدان الدافعية، والاستسهال، ولكن على عاتق من تقع المسؤولية؟منذ وطأت قدماي أرض الكويت، وثمة نبرة تشاؤم ألمسها من أساتذة جامعة وأولياء أمور ومثقفين كويتيين؛ ملخصها أن السواد الأعظم من الأجيال الجديدة لا يولي اهتماماً بالقراءة، ولا يعرف كيف يستمع إلى الموسيقى العربية الجميلة الأصيلة، ولا يتعامل مع حياته بجدية كافية. الأحكام تبدو صحيحة على السطح، والشباب لا يسعى إلى تغيير فهم الأجيال الأكبر، لكن ثمة شيء مختلف تحت السطح يجب أن ننتبه له إن كنا جادين في المعرفة وإصلاح ما يحتاج إلى إصلاح.
منذ أيام تقدم طلابي بالمشروع البحثي الذي أطلبه منهم كل عام، بعدما درسنا بعض طرائق التحليل السردي. ينقسم الطلاب إلى مجموعات من ثلاثة طلاب أو ثلاث طالبات، وأترك لهم حرية اختيار رواية لكاتب كبير، وغالباً أحدِّد لهم عشرة أسماء لروائيين عرب ليختاروا من بينها، أو ليضيفوا إليها من يشاؤون، حتى أضمن مستوى ما يقرأون. هدفي الأكبر أن يقرأ الطلاب في هذه السن رواية جيدة، ربما تكون فاتحة لارتباط بعضهم بالقراءة، وهذا ما يحدث كثيراً؛ حيث يأتيني طلاب وطالبات بعد انتهاء الفصل الدراسي، ليخبروني بأنهم استمروا في قراءة الروايات، ما أعده نجاحاً شخصياً كبيراً.هذا العام اختار الطلاب روايات لكل من: نجيب محفوظ، وإسماعيل فهد إسماعيل، وسعود السنعوسي، وأمين معلوف، وعبد الرحمن منيف، وليلى العثمان، وإبراهيم عبد المجيد، وإحسان عبد القدوس، وبثينة العيسى. الأسماء السابقة تعني أن الشباب في هذه السن يمكنهم التعامل والتفاعل مع كتابنا الكبار، وليسوا فريسة سهلة – إن توافرت لهم البدائل – للكتابات النيئة سهلة المنال التي تملأ الدنيا حولنا. لكن الغريب في الأمر أن نحو نصف مجموعات القراءة اختار رواية سعود السنعوسي الأخيرة «حمام الدار».لم يكن مستوى تحليل الطلاب للرواية مبهراً، فهم غالباً غير متخصصين في الأدب العربي، وإن كانت ثمة مجموعات قدمت تحليلات معمقة لعملية الرواية الصعبة في «حمام الدار». المدهش حقاً كان إصرارهم على القراءة رغم صعوبة الرواية، بل لقد كان هناك إجماع من الطالبات والطلاب على أن الرواية شيقة، وأن تجربة القراءة والمناقشة كانت ممتعة. منبع الدهشة هو التفاعل غير المتوقع بين الطلاب في هذه السن، وبين كتابة إبداعية معمقة ككتابة سعود السنعوسي. كتابات السنعوسي معقدة بالمعنى الإيجابي للكلمة، وتتسم بسعي تجريبي مؤسس على موهبة منتبهة لذاتها وتسعى إلى تطوير ما تقدم، ما يعني أن القراءة لن تكون مجرد سياحة كسولة في مساحة عقلية مألوفة ومطروقة. تفاعل الطلاب مع رواية السنعوسي يثبت أن الأزمة ليست في الشباب وحده، قدر ما هي في الواقع الأدبي والفني الفقير الذي لا يقدم لهم ما يغذي طاقاتهم ويوجهها. من الطبيعي أن يكون لشهرة سعود دور في إقبال الشباب على قراءة روايته، وهو أمر لا يعيبه ولا يعيب الشباب الذين يخضعون – تماماً كالكبار – لقوانين السوق الرأسمالي، وسحر وسائل الإعلام وما تمتلئ به من دعاية. لا عيب في شهرة سعود السنعوسي، بل لعل هذه الشهرة هي نافذة امتلكها من يستحقها، وهو أمر نادر، ليقدم للواقع الثقافي مادة فنية مبدعة، وليثبت من خلالها أن في الشباب بذور خير يمكن رعايتها وإنماؤها، إن نحن قدمنا لهم مادة أدبية وفنية محترمة.
توابل - ثقافات
«حمام الدار» وشباب الجامعة
21-12-2017