رسالة إلى قاتل أبي
والدنا لم يكن بطلا لمواجهة أي كان، كان يمكن أن تخيفه كما فعل أحدهم حين أشهر السلاح في وجهه، وحين هدده أحدهم فأبلغ عنه رئيس البلدية وقتها والذي نصحه بعدم الاحتكاك بأي منهم وإبلاغه بأي تجاوز، وأخذ بنصيحة رئيس البلدية.
إذا كنت ما زلت حيا فإنك ستموت إن عاجلا أو آجلا، فكل إنسان يدركه الموت ولو كان في بروج مشيدة، ما بعد الموت هو الذي يجب التفكير فيه، والتخلص من كل الآثام قبل الموت بالتكفير عن الأفعال والأقوال المؤثمة. القتل جريمة لا يغفرها رب العالمين، خصوصا إذا كان المقتول إنسانا بسيطا وطيبا لم يرتكب إثما ليقتل، وقد ترى في هذه اللحظة أن الاعتراف قد يريح ضميرك ويخفف عنك العذاب.لا أدري إن كان لك قلب أم أنت بلا قلب، إن كان لك ضمير أو أنت وحش لا ضمير لك، لكن إذا كنت كبيرا في السن فإنك تكون قد اقتربت من يوم الحساب، وصار لا بد لك من الاعتراف وتسليم جثة والدنا لنا، فأنت لا تريد، أو هكذا أظن، أن تغيب عن هذه الدنيا ويدك ملوثة بدم والدنا؛ لأنك إن فعلت فإن دعوة المظلومين ستلاحقك إلى يوم القيامة.
أريد أن أذكرك فربما بعد 56 سنة تكون قد نسيت ما أعنيه، أنا أقصد محمد علي البداح مراقب البلدية الذي اختفى في حولي منذ 21 ديسمبر 1961، ولم نعثر له على أثر، فتح التحقيق في كل شيء ولكن لم تقبل الحكومة فتح ملف الأراضي لاعتقادنا أن قضيته مرتبطة بموضوع سرقة الأراضي وتجاوزات المتنفذين وتقاتلهم من أجل الاستحواذ على أراضي الدولة في تلك الفترة، وكان والدنا وسط ذلك الاقتتال، ونعتقد أنه قتل بيد أحد هؤلاء، ليس عندنا أي دليل مؤكد على أي منهم، ولذلك طلبنا مرارا وتكرارا فتح ملف الأراضي لكن لم يسمع لنا أحد. اتبعنا القانون ولم نلجأ لأي أسلوب آخر، وصبرنا أملا أن يصحو الضمير أو يصحو القانون، فيعيد لنا حقا سلب منا ويزيل قهرا استبد بنا. والدنا لم يكن بطلا لمواجهة أي كان، كان يمكن أن تخيفه كما فعل أحدهم حين أشهر السلاح في وجهه، وحين هدده أحدهم فأبلغ عنه رئيس البلدية وقتها والذي نصحه بعدم الاحتكاك بأي منهم وإبلاغه بأي تجاوز، وأخذ بنصيحة رئيس البلدية، وإن كان بطبعه مسالما ولم يدخل في شجار مع أحد إلا أنك لم ترض بصرخة أو حتى بضربة وقمت بخطفه وقتله، هل تذكرت الآن؟ هل يصحو ضميرك الآن؟ هل ترد علينا اليوم لتخبرنا بالحقيقة؟ وهل لديك الجرأة للاعتراف وطلب العفو أو تسليم نفسك للقضاء؟ إن كان لديك ذرة من ضمير فستفعل.