آن الأوان لاتخاذ القرار بشأن إيران
تجاهل الرئيس الأميركي الأسبوع الماضي الرأي السائد وعمل وفق المفهوم المنطقي أن ما نراه هو الواقع، وأن القدس هي عاصمة إسرائيل، وأن الجهل المتعمد لا يتيح لنا التملص من الواقع، لكن الصراع الذي توقع منتقدوه في الداخل والخارج نشوبه عقب هذا التأكيد للحقيقة لم يحدث.
سيُضطر ترامب قريباً إلى تحديد ما إذا كانت الولايات المتحدة ستواصل الوقوف على الهامش والاكتفاء بمشاهدة التوسع الإيراني أو ستتخذ خطوات لتواجه هذا الخطر الذي يهدد الأمن الدولي ويرعى الإرهاب العالمي.عندما امتنع الرئيس عن التصديق على الالتزام الإيراني بالصفقة النووية الإيرانية أطلق عملية ستُرغمه بالتأكيد على اتخاذ قرارات مثيرة للجدل في الأشهر المقبلة.كان أمام الكونغرس 60 يوماً لاقتراح تدابير تُعاقب إيران على انتهاكاتها وتعزز خطة العمل الشاملة المشتركة، إلا أنه لم يقم بذلك، ونتيجة لذلك سينتهي المطاف بهذه المسألة مجدداً إلى مكتب الرئيس في شهر يناير، حين سيُضطر ترامب إلى الاختيار بين الحفاظ على الاتفاق مع التوقيع على عدم الالتزام أو إعادة فرض عقوبات على إيران.
سيكون الضغط كبيراً من الديمقراطيين، والأوروبيين، والواقعيين، وبواقي مؤيدي سياسة أوباما للاستمرار في الخيال الذي يعتبر الصفقة السيئة أفضل من عدم الالتزام بأي صفقة.اعتمدت سياسة ترامب الإيرانية حتى اليوم على الكلام عموماً، باستثناء عدم التصديق على الالتزام بالصفقة وإسقاط طائرتين إيرانيتين من دون طيار فوق سورية، تبنت الولايات المتحدة، حسبما يكتب المحلل المتخصص في شؤون الشرق الأوسط طوني بدران، "مقاربة غير مباشرة تقوم على تفادي المواجهة المباشرة مع إيران وأداوتها"، مثل حزب الله في لبنان وسورية، والميليشيات الشيعية في العراق، والمتمردين الحوثيين في اليمن. لكن بدران يتابع مؤكداً: "تبين أن هذه المقاربة غير المباشرة الطويلة الأمد عقيمة وتؤدي إلى نتائج عكسية"، فقد استغل أعوان إيران الفرصة لتقوية مواقفهم وتوسيع رقعة نفوذهم.أدى ذلك إلى نشوء وجود إيراني على حدود إسرائيل، وتأجيج التوتر الطائفي في العراق، وإطلاق الصواريخ من مناطق من اليمن خاضعة لسيطرة الحوثيين باتجاه الرياض، وفي الوقت عينه يواصل الملالي في طهران وحرس الثورة التابع لهم الاستفادة من الفرص الاقتصادية التي أتاحتها لهم خطة العمل الشاملة المشتركة. يبدو أن إدارة ترامب أدركت أن إيران تتمتع باليد الطولى وبدأت تتصدى لها. في الأيام الماضية حذّر هربرت ماكماستر ومايك بومبيو من النفوذ الإيراني في سورية، كذلك أعلنت الإدارة أن القوات الأميركية ستظل في سورية بعد الحملة ضد "داعش"، ونددت نيكي هيلي بتهريب إيران الأسلحة والتكنولوجيا إلى الحوثيين، وستُعلَن أيضاً يوم الاثنين استراتيجية الأمن القومي التي سيتبعها الرئيس والتي ستتضمن بالتأكيد اللغة القاسية ذاتها.لكن ما ينقص هو العمل المباشر ضد إيران أو أعوانها، بدلاً من ذلك، تتبع الإدارة سياسة احتواء غير متجانسة لا تحقق الهدف منها، وبما أن الولايات المتحدة مضطرة إلى التعاطي مع التوتر في شبه الجزيرة الكورية، والحرب في أفغانستان، وحملة مكافحة الإرهاب العالمية، فقد تكون الرغبة في أن يستخدم الرئيس القوى الإقليمية في الشرق الأوسط كوكلاء للولايات المتحدة في الحرب ضد إيران قوية، لكن كلفة تنامي النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط والخليج العربي ليست مطبوعة على فاتورة تستطيع الولايات المتحدة رفض دفعها.تجاهل الرئيس الأميركي الأسبوع الماضي الرأي السائد وعمل وفق المفهوم المنطقي أن ما نراه هو الواقع، وأن القدس هي عاصمة إسرائيل، وأن الجهل المتعمد لا يتيح لنا التملص من الواقع، لكن الصراع الذي توقع منتقدوه في الداخل والخارج نشوبه عقب هذا التأكيد للحقيقة لم يحدث، فهل نبالغ إذا أملنا أن يتبع ترامب مرة أخرى عام 2018 حدسه ويعمل وفق تقييم واقعي للوضع رغم إصرار رأي النخبة على العكس؟لا شك أن خطة العمل الشاملة المشتركة صفقة سيئة كما قال الرئيس، فلا تأبه إيران بمصالح الولايات المتحدة أو حلفائنا، لكن الخطابات لا تشكّل بديلاً لتأكيد الحق بالقوة من دون أي تردد.* ماثيو كونتينيتي*«ناشيونال ريفيو»
يواجه ترامب ساعة الحساب في الشرق الأوسط في عام 2018.