رفضت المحكمة الدستورية أمس، برئاسة المستشار يوسف المطاوعة الطعن المقام من موظفين اثنين في إحدى الشركات المملوكة للدولة على عدم دستورية هيئة المحاكمة التأديبية التابعة لديوان المحاسبة لخلو قانون الديوان، الذي يسمح بإيجاد تلك الهيئة لأي مخالفة للدستور.وقالت «الدستورية» في حيثيات حكمها، إن هيئة المحاكمة التأديبية لجنة إدارية، وليس لقراراتها طبيعة قضائية كما يجوز الطعن عليها أمام القضاء وإخضاعها لرقابة القضاء.
وقالت المحكمة الدستورية في حكمها إن مبنى النعي على نص المادة (60) من القانون المشار إليه، حسبما يبين من حكم الإحالة، أن المشرع قد ناط برئيس ديوان المحاسبة إحالة الموظف المخالف للهيئة التأديبية بعد إجراء التحقيق معه استناداً إلى المادة «59» من قانون إنشاء الديوان ونصّ على اشتراك وكيل المحاسبة في عضوية تلك الهيئة التأديبية لإصدار القرار في المخالفات التأديبية المحالة إليها، مما يعني أن ديوان المحاسبة يعد خصماً وحكماً في ذات النزاع لسبق نظره في المخالفات المنسوبة إلى الموظف وإبداء رأيه فيها من خلال مباشرة إجراءات التحقيق والتصرف فيه، وهو ما يفقد تشكيل هذه الهيئة على هذا الوجه ضمانة الحيدة اللازم توافرها عند الفصل في تأديب الموظف، ويقيم شبهة عدم دستورية هذا النص فيما تضمنه من جمع ديوان المحاسبة بين سلطتي التحقيق والحكم في المخالفات التأديبية، التي يرتكبها الموظف والمنصوص عليها في المادة (52) من القانون المشار إليه مما يخل بالضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع ويخالف حكم المادة (34) من الدستور.
ضمانة الفصل
ولفتت المحكمة إلى أن هذا النعي مردود، ذلك أنه قد سبق لهذه المحكمة أن قضت بجلسة 27/5/2007 في القضية المقيدة في سجل المحكمة برقم (16) لسنة 2006 «دستوري» وبجلسة 2/12/2013 في القضية المقيدة في سجل المحكمة برقم (23) لسنة 2013 «دستوري» بأن ضمانة الفصل إنصافاً في المنازعات على اختلاف أنواعها تمتد إلى كل خصومة قضائية سواء كانت جنائية أو مدنية أو إدارية، وقوامها أن يكون تحقيقها وحسمها عائداً إلى جهة القضاء أو إلى هيئة أولاها المشرع الاختصاص بالفصل فيها بعد أن كفل استقلالها وحيدتها وأحاط ما يصدر عنها من قرارات بضمانات التقاضي، ولما كان ذلك، وكان العمل القضائي إنما يصدر بعد ادعاء مخالفة القانون، ويفصل فيه من هيئة تتوافر في أعضائها ضمانات الحيدة والاستقلال، ليست طرفاً في النزاع المعروض عليها، عُهد إليها بسلطة الفصل في خصومة قضائية بقرارات حاسمة ودون إخلال بالضمانات الأساسية، التي تقوم في جوهرها على إتاحة الفرصة لتحقيق دفاع أطرافها وتمحيص ادعاءاتهم على أساس قاعدة قانونية نص عليها المشرع، وكانت هذه الخصائص لا تتوافر فيما تصدره جهة الإدارة من قرارات إدارية بتوقيع جزاءات في مخالفات ذات طبيعة تأديبية ذلك لأن جهة الإدارة التي توقع الجزاء تعتبر طرفاً في هذا الأمر، كما أن قرارها الصادر في هذا الصدد لا يحسم خصومة بين طرفين متنازعين، وبالتالي فإن تصرفها أو عملها الإداري في هذا السياق لا يندرج في مفهوم الخصومة، التي ترتبط سلامة تنظيمها في المجال الدستوري باستيفائها ما يلزم توافره في الخصومة القضائية بصفة عامة من ضمانات أساسية يقررها الدستور، ولا وجه لقياس قرار الجهة الإدارية على العمل القضائي لاختلاف هذا الأمر اختلافاً مرده إلى التباين في طبيعة كل من القرار الإداري والحكم القضائي، ولا تنهض حجة للقول إن ما توقعه الجهة الإدارية من جزاء هو من طبيعة الحكم القضائي أو أشبه به.الخصومة القضائية
وقالت المحكمة: ومتى كان ذلك وكانت الهيئة التأديبية المنصوص على تشكيلها بالمادة (60) المطعون عليها من قانون إنشاء الديوان، هي بحكم تشكيلها وبحسب طبيعة عملها لا تعدو أن تكون لجنة إدارية، حسبما نصت عليه صراحة المادة (65) من القانون سالف الذكر، وتنحسر عنها الصفة القضائية، ولا تباشر عملاً من أعمال الخصومة القضائية، وما تقوم به لا يتسم بطبيعة العمل القضائي، أو يصطبغ بالصبغة القضائية كما أن ما يصدر عنها من قرار في هذا الشأن ليس عصياً على الرقابة القانونية، بل محض قرار إداري ما فتئ خاضعاً للرقابة التي يباشرها القضاء الإداري ليحكم تقديره ويقسط ميزانه وينزل حكم القانون عليه إعمالاً لولايته في اطار مبدأ المشروعية، الأمر الذي تغدو معه المطاعن الموجهة إلى نص المادة المشار إليها غير صحيحة من الوجهة الدستورية، وتكون الدعوى الماثلة من ثم فاقدة الأساس متعيناً رفضها.