خلال أحداث اقتحام مجلس الأمة 2011، والتي اندلعت في أعقاب الكشف عن فضيحة "الإيداعات المليونية"، التي طالت عدداً من أعضاء مجلس الأمة، كان هناك رأي معارض لاستخدام الشارع، خصوصاً أن المشهد في حينه كان يسوده التحرك القبلي والنزعات الطائفية، وكان هذا الرأي يشدد على أن الكويت دولة مؤسسات، ويمكن محاربة ومتابعة الفاسدين ومحاسبة مَن تضخمت حساباتهم، بسبب استغلالهم لمواقعهم النيابية، عبر القضاء، وكنت في وقتها من أنصار ذلك الرأي.أما اليوم، وبعد أن أفلت كل مَن تضخمت حساباته من النواب من العقاب، ومثلهم معظم الفاسدين، ومرور ست سنوات دون أن يستطيع مجلس الأمة إصدار قانون لسد الفجوة، ومحاسبة النواب المتورطين في ممارسات الفساد تلك، فإنني أرى أن ما فعله الشباب كان موقفاً يبيِّن أن "الكيل قد طفح"، ويعبِّر كذلك عن موقف نضالي مبدئي هم مستعدون أن يتحمَّلوا تبعاته، لكن الخلل في السياسيين، الذين انسحبوا لاحقاً من مسيرة النضال، ليعودوا إلى ساحة العمل السياسي بنفس الشروط السابقة التي انقلبوا عليها.
المشكلة في الكويت أن هناك مَن يريد أن يدخل مسيرة العمل النضالي من أجل قضية وطنية كبرى تتمثل في الإصلاح وتكريس وتوسيع الحقوق الشعبية في إدارة دولته، وتوزيع الثروة بشكل عادل، ويعتقد أنه عمل "بارت تايم"... لا يا أخي، النضال من أجل الوطن مسيرة كفاح وتضحيات وسجن ومعاناة، حتى تتحقق مطالبك الوطنية، أو يستكمل الجيل التالي مسيرتك.فالمناضل الوطني لا يطلب العفو العام أو الخاص، بل يطلب إطلاق سراحه، ولا يعقد صفقات لحماية حكومة من السقوط أو عودة جناسي، بل يقدم للسلطة قائمة ببنود مشروع وطني متكامل للإصلاح وترسيخ الديمقراطية وحقوق الأمة، وهو ليس كلاماً شاعرياً، لكنه سلوك وسيرة لكل المناضلين والإصلاحيين الجادين والوطنيين الحقيقيين حول العالم، من المهاتما غاندي، مروراً بمصطفى كامل، حتى نيلسون مانديلا وليخ فاونسا وغيرهم.تبني قضية وطنية هو اختيار شخصي، وليس انتداباً شعبياً، يجب أن يعلم مَن يتبناها ذلك، وعلى الأمة أو المخلصين منها أن يدعموه ويساندوه، لبقاء وطنهم محصناً، وتبقى حقوقهم وكرامتهم محفوظة، لذا يجب أن يتواصل العمل والنضال الشعبي من أجل دعم الشباب الذين ضحوا بحريتهم في سبيل قضية الكويت الكبرى، بمحاربة الفساد والهيمنة على السلطات الدستورية وحرفها عن واجباتها الأساسية لخدمة مشاريع خاصة، وأيضاً من أجل إطلاق سراح أصحاب الرأي ونواب الأمة وسحب السلطة للقضايا المرفوعة منها أمام القضاء ضدهم.
أخر كلام
مناضل... «بارت تايم»!
21-12-2017