كي لا نردد تيتي تيتي
المعقول ألا ننظر إلى مشروع تطوير الجزر وطريق الحرير مع ميناء مبارك على أنه الوصفة السحرية التي ستقفز بالكويت من حالة الخمود والقلق الاقتصادي، وهي في وضع الغيبوبة الريعية، إلى حالة النرويج أو الدنمارك أو سنغافورة، لننظر إلى المشروع على أنه محاولة جدية لإنقاذ الدولة من قادم لا يبشر بالخير، بعد تهاوي سلعة النفط، وهو الضرع الذي كان يغذي الدولة والمجتمع الذي ابتلعته هذه الدولة. المشروع يبحث في مصدر للدخل العام بعد أن تنامت العجوزات للمالية العامة، وأخذت الدولة تقترض وتقتطع من رصيد الغد من باب الاستثمارات، وهو رصيد سينضب حتماً في يوم ليس ببعيد، والأغلبية من المواطنين تعتقد أنه لم يتغير شيء، فالرواتب مازالت تتدفق للقطاع العام، وجيوش الموظفين مازالت تمدد دون نهاية قريبة، ويظل الكثيرون يرددون عبارة فيها الكثير من المصداقية، لكنها ليست كل القضية، مثل "اقضوا على الفساد"، ولتقدم السلطة الحاكمة المثال والقدوة في العدل، وتصفية بؤر الفساد عند الكبار فيها والمتحلقين حولها وعندها تنتهي القضية، أبداً، الفساد ليس قاصراً على "هبشات" الكبار، وتفصيل توزيع الثروات على مقاسهم (الفساد الكبير) الفساد الآن متمدد بكل أجهزة الدولة دون استثناء من أبسط معاملة لأكبرها، والفساد هو بقاء سياسة التوظيف في المرفق العام على وضعها الريعي مع غياب الخيارات الأخرى المتمثلة في قطاع خاص منتج يعتمد على الأيدي العاملة الوطنية، وليس قطاعاً تابعاً لجهاز الدولة وإنفاقها، والفساد هو الدمار الذي نشهده في دكاكين التعليم ومخرجاتها البائسة، الفساد في الصحة وفي الخدمة العامة وفي كل مرافق الدولة، وهو آخر الأمر يأسنا من غياب إرادة سياسية حازمة تضع الأمور في نصابها.
مشروع الجزر وطريق الحرير، قد يمثل ومضة أمل كي نخرج الدولة من هذا الطريق المسدود، قد يكون البوابة لمشروع دولة حديثة، المفاضلة فيها لا تكون حسب معايير الفساد السائدة الآن في عرض الدولة وطولها وإنما وفقاً لقواعد الجدارة والكفاءة، المشروع لا يعرض وظائف حسب الجنسية، وإنما يفترض أن يوفر فرص العمل لمن يريد أن يعمل وينتج، المشروع ليس ملكية خاصة للشيخ ناصر صباح الأحمد، بل هو تصور له عن مستقبل الدولة، ويستغل وضعاً جغرافياً خاصاً للدولة، ويستثمر فيه لا أكثر، بعد تناسيه لعقود ممتدة من الاتكال على ثروة النفط الناضبة، المشروع يهدف إلى فتح أبواب الدولة التجارية والاستثمارية على جيرانها، وهو ما كان عليه وضع الكويت قبل النفط كحلقة وصل تجارية بين الجيران، في وقت تختنق الدولة الآن تجارياً واجتماعياً بسبب الفكر السائد الذي دفعت به وشجعته السلطة لعقود طويلة.هناك بعض التحفظات كالتي أثارها رئيس مجلس الأمة السابق أحمد السعدون في مؤتمر صحافي عن المشروع، كحدوده الجغرافية وما إذا كانت القواعد التي تنظم أعمال لجنة أمناء المشروع تعد استثناء من الدستور ومن قوانين الدولة، مثل تلك التساؤلات يمكن التحاور والنقاش حولها، دون أن ننسى أن المصيبة هنا هي قوانين ولوائح الإدارة التي يفترض أنها شرعت أساساً لتنظيم العمل التجاري والاستثماري، فأضحت "بيروقراطية" جامدة فاسدة قاتلة لكل طموح وتطور اقتصادي في الدولة... فهل سنضع مشروع الجزر وطريق الحرير وكل رؤية كويت المستقبلية بحظيرة وسجن القديم المهترئ! لنردد عندها "تيتي تيتي مثل ما رحتي جيتي".