أقامت مكتبة الكويت الوطنية ندوة بعنوان «هموم ثقافية»، استضافت فيها الأديب د. خليفة الوقيان، وحضرها جمع كبير من الأدباء والمثقفين.

بداية، قال المدير العام لمكتبة الكويت الوطنية كامل العبدالجليل «إنه لمن بالغ اعتزازنا وتقديرنا أن نحظى باستضافة د. خليفة الوقيان، ليضاف إلى سجل ورصيد مكتبة الكويت الوطنية».

Ad

ولفت العبدالجليل إلى أن موضوع الندوة يتناول الهموم الثقافية، حيث ترحب المكتبة الوطنية بأن تطلع المثقفين والأدباء على أوضاع المشهد الثقافي، وأن تكون المكتبة قريبة من الجميع تستمع لهمومهم وتلتمس تطلعاتهم، بهدف تطوير وتحقيق المصلحة العامة والأهداف المشتركة للنهوض بالنشاط الثقافي بالكويت، ثم أعطى نبذة تعريفية شاملة عن إسهامات الأديب الثرية في مجال الثقافة.

هموم صغيرة

من جانبه، ذكر د. الوقيان أنه انتقى عنوانا للندوة هو «هموم ثقافية»، لافتا إلى أنه التزم بأن «يبحث عن همومنا»، موضحا أنه وجد أن الهم الأكبر يصعب الحديث عنه، لأنه ليست هناك فائدة من طرحه.

وأضافت: «سبق أن تحدثنا عن هذا الموضوع كثيرا ولم يستمع أحد لما قيل ولم يستجب أي فرد، لذلك من الأفضل أن نبحث عن هموم صغيرة، يمكن أن ينظر إليها، بينما الهم الأكبر هو عدم وجود استراتيجية أو فلسفة أو رؤية ثقافية لدى الدولة».

مبادرات فردية

واستطرد د. الوقيان: «ربما يتساءل البعض: كيف تحققت هذه الإنجازات اذا لم تكن لدى الدولة رؤية؟ لقد تحققت بمبادرات فردية، وكل الإنجازات التي نراها تحققت بطموحات جيل سابق ومبادرات أفراد في جيل سابق منذ أواخر القرن التاسع عشر، ومطلع القرن العشرين».

وتابع: «تحققت منجزات شكلت البنية التحتية الأساسية للثقافة في الكويت، وجعلتها دولة مميزة في هذا المجال، وبعد ذلك رزقت الكويت برجالات مميزين في الجانب الثقافي حملوا النهوض ببلدهم، وأسسوا مشروعا ثقافيا نهضويا كما فعل آباؤهم، هؤلاء هم الذين يعود لهم الفضل فيما نحن فيه الآن».

وأوضح د. الوقيان أنه أجمل الهموم الصغيرة في ورقة كتبها، وقام بتسميتها «هموم ثقافية»، وتندرج تحتها عناوين جزئية، ثم تحدث عن الجزء الأول من الهموم وهو «مقصلة الرقابة»، قائلا: «يبدو أن العمل السياسي والثقافي، وما يتصل بالشأن العام لم يتأصل بعد في الكويت، إذ لا يزال موسميا مرتبطا ببعض المناسبات حينها، وبردود الأفعال أحيانا أخرى».

وأردف: «من الملاحظ أن الكلام عن الرقابة يكاد يقتصر على موضوع منع تداول الكتب، أما أشكال المنع أو القمع الفكري الأخرى فقل ان تجد من يلتفت إليها، ومنها الفنون التشكيلية والمسرح والسينما والفنون الموسيقية».

مسيرة التحديث والتنوير

وأردف د. الوقيان: «الأمر الأخطر في قضية الرقابة هو بعدها الفكري، فما الذي يجعل دولة حديثة نامية كالكويت ترتد عن مسيرة التحديث والإصلاح والتنوير التي بدأها الآباء في مطلع القرن المنصرم، إن لم نقل قبل تلك الحقبة؟».

وتساءل: «ما الذي يجعل قيادات الدولة تتبنى، أو تستسلم لرؤية فكرية موغلة في الغلو، لا تتسق مع طبيعة هذا المجتمع، القائم على الانفتاح والتطلع إلى التطور، ولا تتفق مع منطلق العصر»، وقرأ بعض نصوص من الدستور التي تبين كفالة الحرية، ومنها المادتان 36 و37، مشيرا إلى أن المادة 21 في فقرة 3 هي التي تستند إليها وزارة الإعلام في المنع غالبا.

القوة الناعمة

وتحدث د. الوقيان عن الجزء الثاني وهو القوة الناعمة، قائلا: «الثقافة هي القوة الناعمة التي أورثنا إياها الآباء المؤسسون للمشروعات الثقافية الأهلية المبكرة، وأعطت القوة الناعمة الكويت سمعة كبيرة لا يجوز التفريط فيها من قبل من يجهلون أهميتها».

وأشار إلى أن الشباب يشكلون أكبر نسبة من ضحايا هذه الثقافة، إذ يتم اقتناصهم وغسل أدمغتهم وجعلهم وقودا للحرائق التي تشعلها القوى الأصولية المتطرفة على طريق الوصول للسلطة، كما قال في مقالته «الإرهاب والأمن الفكري» المنشورة في القبس.

واضاف ان «الفساد مستشر في كل المجالات، أما أن يصل إلى الثقافة فهو شيء لم يكن متوقعا، واكتفي بذكر مثال واحد وهو مهرجانات التكريم التي يقيمها بعض الأفراد، ويطلب أفرادها من الشركات رعايتها، ثم يبلغون بعض الأدباء والفنانين والرياضيين بأنهم سيحظون بالتكريم، وتنتهي المهرجانات بقيام أصحابها بتوزيع قطع حديدية على المكرمين لا تتجاوز قيمتها نصف دينار، في حين يخرج أصحاب المهرجانات بمبالغ كبيرة من الجهات الراعية».

تجمعات ثقافية

وفي جزء «الباحث والمصادر»، أوضح د. الوقيان أن الباحثين يعانون شح المصادر في كثير من مجالات البحث العلمي، بسبب اتساع دائرة الممنوعات من قبل رقابة الإعلام، ضاربا بعض الأمثلة التي واجهته بشكل شخصي في مطلع سبعينيات القرن الماضي خلال فترة الإعداد للماجستير.

وحول تفعيل دور المكتبات العامة، اقترح أن تفتح المكتبات العامة ذراعيها لاحتضان نشاط التجمعات الثقافية الشبابية التي تقيم المحاضرات والندوات.

وأخيرا في جزء «تسميات الشوارع دلالات ثقافية» قال: «نتيجة للتحولات الفكرية الجارفة، التي مرت بها الأمة عامة، والكويت خاصة، تراجعت ثقافة الانتماء للأمة، وتقدمت ثقافة التقوقع على الذات، والتشرذم إلى المكونات الضيقة، العائلة والقبلية والطائفية، وانعكست تلك الثقافة على تسميات الشوارع، فأصبحت تمثل الجغرافيا العائلية والقبلية والطائفية للبلاد، أما أعلام الأمة فقد انتزعت أسماؤهم من شوارع الكويت».

خطة الكويت بلا استراتيجية ثقافية أو تعليمية

عقب فتح باب النقاش، شارك العديد من الأدباء في المدخلات، وكانت البداية مع د. عايد الجريد، الذي أوضح أن قضية تسمية الشوارع ليست وليدة اليوم، وإنما تطرقت لها الصحافة مرات عديدة، أما الأديب عبدالله خلف فقال: «اللغة أخذت تتراجع، وأصبحت العامية تزحف على الفصحى، العامية باقية في الشارع وفي البيت».

من جانبها، أشادت د. وسمية المنصور بالدكتور خليفة الوقيان، قائلة إنه «طرح جوانب كثيرة ومهمة»، وذكر الباحث في التراث الكويتي صالح المسباح أنه في إحدى المحاضرات أعطى معايير عن كيفية الحفاظ على الكتاب الكويتي، و»انه كنز لا يقدر بثمن».

وتطرق د. سليمان الشطي إلى العديد من النقاط في حديثه، قائلا: «د. خليفة دائما حصيف باختياراته، وكلمة هموم تذكرني بالأرانب لأنها تتوالد بسرعة، ولو أعطينا فرصة لهذه الجلسة لانتهينا صباح الغد، لكن سأذكر بعض النقاط على ما ذكره د. الوقيان، أولا ليس للكويت استراتيجية ثقافية، وسأعطي مثلا عمليا على ذلك ففي سنة 2000 وضعت خطة استراتيجية للكويت، ولسوء المصادفات عرضت علينا في الرابطة لننظر فيها، فاكتشفنا أنه ليس هناك ولو سطر واحد عن الاستراتيجية الثقافية والتعليمية».

من ناحية أخرى، أوضح د. الشطي أنه قدر له أن يكون أحد الداعين لإنشاء المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وكانت هناك فكرة بسيطة جدا بأن الثقافة استراتيجية للدولة، «لذلك وضعنا في خطة الاقتراح أن تكون تبعيتها لمجلس الوزراء، وهو ليس الأمانة وتلك نقطة غابت الآن، والأصل في المجلس الوطني أن هناك مجلس أعلى للثقافة، ينصح الدولة على مستوى الوزرات كلها وله مشروعات تنفذها الأمانة، وتلك هي الفكرة الرئيسية».