لمَ يشعر الفلسطينيون اليوم بمقدار غير مسبوق من اليأس؟
بلغنا مستوى متردياً غير مسبوق، حتى وفق معايير عملية السلام، فقد أمضى مستشارو ترامب السنة الماضية بالتنقل بين الإسرائيليين والفلسطينيين، واقتربت الإدارة من الكشف عن خطها للسلام، إلا أن عملها دخل ما يدعوه البيت الأبيض "مرحلة تبريد"، وعندما يزور نائب الرئيس الأميركي مايك بنس الشرق الأوسط في شهر يناير من غير المرجح أن يستقبله القائد الفلسطيني، وهكذا تنتهي الجولة الأخيرة من المحادثات قبل أن تبدأ.يعود ذلك إلى قرار ترامب في السادس من ديسمبر الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، متجاهلاً مطالبة الفلسطينيين بالمدينة، إذ قوّض هذا الإعلان ادعاء الولايات المتحدة أنها وسيط عادل، حيث يشعر الفلسطينيون أنهم وحيدون ويائسون لأن قضيتهم فقدت أهميتها في العالم العربي الذي يتخبط وسط حروب أهلية وحروب بالوكالة بين مختلف فصائل المنطقة، ولم تقدّم الدول العربية سوى إدانات فارغة لقرار القدس، كذلك يشير الفلسطينيون إلى أن ما رأوه من خطة السلام الأميركية مهين، فبعد خطاب ترامب، وصف وزير الخارجية السعودي جهوده لإحلال السلام بـ"الجدية".
في المقابل يصب المواطن الفلسطيني اهتمامه على مخاوف أكثر إلحاحاً، مثل الطعام، والماء، والمأوى، ففي الضفة الغربية يحلم الشبان بالانتقال إلى حياة أفضل في الغرب أو الدول العربية، وكان يُفترض إجراء الانتخابات الوطنية منذ ثماني سنوات، ونتيجة لذلك خسر فلسطينيون كثر ثقتهم بالسياسة، أما الممارسة الديمقراطية الوحيدة التي شهدتها السنوات الأخيرة فكانت الانتخابات المحلية في شهر مايو التي انخفض الإقبال فيها على الصناديق إلى 53% بعدما كان 70% قبل نحو عقد من الزمن. علاوة على ذلك يبلغ متوسط العمر في الأراضي الفلسطينية 19 سنة، إلا أن المرشح المحتمل الأصغر سناً الذي قد يحل محل عباس تخطى الستين بأشواط، ومع تراجع فرص السلام يفقد عدد كبير من الفلسطينيين أيضاً اهتمامهم بحل إقامة دولتين، فقد كشف استطلاع للرأي أجري في شهر أغسطس أن 52% منهم ما زالوا يؤيدون هذه التسوية، لكن هذا التأييد تراجع إلى 42% عندما أوضح لهم معدو الاستطلاع ما شكل حل إقامة دولتين، كذلك نشهد خلافاً كبيراً حول البدائل مع حصول حل إقامة دولة واحدة تضم أمتين، دولة فصل عنصري، وطرد اليهود، و"غيرها" على نسب تأييد متعادلة تقريباً.تحوّل عباس الذي لا يُعتبر البتة الرجل القادر على عقد صفقة إلى أكبر العقبات في طريقها، فهذا الرئيس لا يتمتع بشرعية كبيرة ليفاوض نيابة عن شعبه، بما أن ثلثَي الشعب يطالب باستقالته، وفيما يزداد عباس تشدداً يبدو أكثر اهتماماً بالخلافات المحلية منه بالاحتلال الإسرائيلي. يذكر صلاح البردويل، عضو في حماس: "هدفه الأكبر البقاء حياً في السياسة"، لكن حماس لم تقدّم أداء أفضل.من اللافت للنظر أن إحدى محاولات النشاط الفلسطيني الناجحة عام 2017 كانت في القدس الشرقية، حيث لا تتمتع "حماس" أو "فتح" بنفوذ يُذكر، عندما أقامت إسرائيل أجهزة جديدة لكشف المعادن في المسجد الأقصى في شهر يوليو، نظّم الفلسطينيون التظاهرات فتراجعت إسرائيل.لكن بعض الفلسطينيين الذين يقيمون في المدينة بدؤوا يتخلون عن نضال أكبر، فبين عامَي 2014 و2016، تقدّم أكثر من 4 آلاف منهم بطلب الجنسية الإسرائيلية بزيادة بلغت ثلاثة أضعاف ما شهدناه قبل عقد، قال متظاهر في شهر يوليو: "لن ينتهي الاحتلال ولن تزول إسرائيل، ولا نساعد أنفسنا إذا ادعينا العكس".