يؤكد علي عبدالعزيز، المتحدر من صعيد مصر، والذي يعمل خفيرا لبناية في القاهرة أنه غير مقتنع بدعوات تنظيم الاسرة، التي تروج لها الحكومات المصرية المتعاقبة منذ عقود، لأن «الابناء عزوة والرزق يأتي من عند الله فهو من يمنح وهو من يأخذ».

ولعبدالعزيز عشرة أولاد، وهو يقيم بمفرده في القاهرة، بينما تعيش زوجته مع أبنائه في قريته الواقعة بالقرب من مدينة ملوي بمحافظة المنيا (220 كيلومترا جنوب القاهرة)، حيث الحياة «كلفتها اقل بكثير ومختلفة عن حياة القاهرة»، بحسب قوله.

Ad

ويضيف: «نحن نعيش في حدود قدراتنا المالية ولسنا معتادين أكل اللحم والخضروات كل يوم مثل أهل القاهرة، بل نأكل اللحوم مرة واحدة اسبوعيا».

ويتابع أن «الأبناء حماية، فهم من يتولون رعاية اهلهم ماديا وصحيا عندما يكبرون في السن».

لكن مشكلة الزيادة السكانية في مصر تكاد تشكل قنبلة موقوتة مع تجاوز عدد المواطنين المئة مليون، ليصل الى»104.2 ملايين، منهم 94.8 مليونا بالداخل و9.4 ملايين بالخارج»، حسبما أعلن رسميا في سبتمبر.

وبحسب تقرير للامم المتحدة صدر في مايو 2017، سيصل عدد سكان مصر في 2030 الى 119 مليونا. وبما ان 95 في المئة من البلاد ذات طبيعة صحراوية، تتركز الكثافة السكانية تاليا على ضفاف نهر النيل.

في 2016، وصلت الكثافة السكانية في العاصمة المصرية الى خمسين الفا في الكيلومتر المربع الواحد تقريبا، وبلغ عدد السكان فيها نحو عشرين مليونا.

نعيش كارثة!

ويصف رئيس الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء اللواء أبوبكر الجندي معدلات الزيادة السكانية في مصر بأنها «كارثة»، مشيرا الى أن «عدد المواليد يزيد على مليونين و600 ألف كل عام».

ويضيف الجندي أن «المشكلة انه ليس هناك وعي في المجتمع بأننا أمام مصيبة».

دائرة الفقر

ويتابع أن معدل نمو السكان يزداد دائما بين «الافقر»، مشيرا الى ان «نسبة الفقر في مصر تبلغ 27.8 في المئة وتزيد على 50 في المئة في بعض مناطق الصعيد».

ويتابع: «كلما زاد الفقر زاد معدل الإنجاب لأن الآباء يعتبرون الأبناء مصدر دخل وليس بندا للانفاق»، إذ يلقون بالأبناء منذ الصغر في سوق العمل، مضيفا: «هكذا فإن الفقير يأتي بفقير وتستمر الدائرة المفرغة».

وقد وصف الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مشكلة الزيادة السكانية بانها «تحدٍّ بنفس خطورة الارهاب».

وليست هذه المشكلة جديدة في مصر، البلد العربي الاكبر ديموغرافيا، فقد بدأت منذ سبعينيات القرن الماضي مع تزايد معدلات النمو السكاني، مما دفع المصريين الى اطلاق اسم «الصين الشعبية» على أحياء مثل بولاق الدكرور المكتظ بالسكان في الجيزة (جنوب العاصمة المصرية)، حيث المباني السكنية متلاصقة، بينما يسير المارة والسيارات وراكبو الدراجات البخارية والتوك توك جنبا الى جنب في الطريق العام وسط اكشاك بيع الفاكهة والخضروات والحلويات والمرطبات وجميع انواع البضائع.

«2 كفاية»

وتتبنى الحكومة المصرية شعار «2 كفاية»، في إطار حملة لتنظيم الاسرة. وتساهم حملات التوعية الى حد ما في تراجع عدد الولادات، ولكن ليس بشكل كاف.

في مركز تنظيم الاسرة في قرية أم خنان في محافظة الجيزة، تدافع هيام محمد بقوة عن قرارها الاكتفاء بثلاثة أطفال: «لا أريد لأبنائي ان يشعروا بالحرمان».

واعتادت هيام وهي ربة اسرة في الثانية والثلاثين، شأنها في ذلك شأن الكثير من السيدات الاخريات في القرية، التردد على المركز مرة كل شهر للحصول على اقراص لمنع الحمل تقدمها وزارة الصحة مجانا.

وتقول: «لدي ثلاثة أطفال، وسأكتفي بهم حتى استطيع ان اوفر لهم حياة جيدة. فالتعليم أصبح مكلفا، والحياة اصبحت صعبة مع ارتفاع الاسعار. ولو أنني أنجبت خمسة أو ستة أطفال، فلن أتمكن حتى من توفير الغذاء لهم».

وتعبر مديرة مركز تنظيم الاسرة في المركز الطبيبة فردوس حامد عن ارتياحها لأن «درجة الوعي بين الاهالي هنا مرتفعة».

وتقول إن «الإقبال يزداد» على وسائل منع الحمل «بسبب الظروف الاقتصادية»، في إشارة الى موجة الغلاء التي شهدتها مصر منذ تحرير سعر صرف العملة الوطنية قبل عام، مما ادى الى ارتفاع التضخم ليصل معدله السنوي الى 33.26 في المئة في سبتمبر الماضي.

وتعتقد أستاذة أمراض النساء في كلية طب القصر العيني منى أبوالغار أن زيادة معدل المواليد يرجع الى «إهمال القيادة السياسية للموضوع منذ منتصف العقد الماضي».

وتقول إن «المشكلة يجب ان تؤخذ بجدية أكبر ولابد من حملات إعلامية مستمرة في الاذاعة والتلفزيون للتوعية بأهمية تنظيم الاسرة لكي تستطيع الدولة توفير الخدمات للناس».

حلال أم حرام؟

وتشدد على أهمية رعاية المسؤولين لهذه الحملة، وكذلك الازهر «لدحض الفتاوى الدينية التي تفيد بأن تنظيم الاسرة مخالف لتعاليم الاسلام».

ولا يتردد الازهر في دعم الحملات الحكومية في هذا المجال.

وقال وكيل الأزهر عباس شومان أخيرا إن «هناك مفاهيم مغلوطة حول القضية السكانية»، لافتًا إلى أن «الزيادة السكانية عبء على موارد الدولة وانطلاقها للتنمية». وأكد «أن تنظيم الأسرة حلال وليس حرامًا».

ويحذر رئيس مركز «بصيرة» لاستطلاعات الرأي ماجد عثمان الخبير في المشكلة السكانية، من ان استمرار معدل الزيادة السكانية الراهن هو بمثابة «انتحار جماعي».

ولكن اللواء الجندي يؤكد أن «أجهزة الدولة المختلفة بدأت في وضع البعد السكاني في اعتبارها»، مشيرا الى ان «الدعم النقدي (50 جنيها شهريا للفرد) الذي تقدمه وزارة التموين للفقراء بات مقصورا على اربعة افراد فقط في كل اسرة».

ويضيف: «كذلك الدعم النقدي الذي تقدمه وزارة التضامن الاجتماعي اصبح مربوطا ببقاء الاطفال في التعليم وعدم خروجهم من المدارس».