المشكلة التي تعانيها وزارة الخدمات ليست محددة، وغير واضحة المعالم، فلم يعد أحد يعرف إلى أين سينتهي المطاف بهذه الوزارة التي تعتبر الأعلى دخلا لميزانية الدولة بعد وزارة النفط، وبرغم تلك الأهمية التي تمثلها الوزارة في دعم اقتصاد البلاد، فإنها لم تصل حتى الآن إلى مرحلة الاستقرار بشكل كامل، أو تحديد الأهداف التي يمكن أن تسير عليها خلال السنوات القادمة، وهذا يتم على مرأى ومسمع المسؤولين في الوزارة والحكومة بشكل عام!لعل الأمر الأبرز في هذا الموضوع، أن الوزارة غير قادرة على مواجهة التحديات التي تحيط بها من كل جانب، أبرزها عدم قدرتها على تنفيذ بعض المشاريع المنوطة بها ضمن الخطة التنموية للبلاد، وهذا ما أكده ديوان المحاسبة في تقريره للسنة المالية 2016 /2017، إذ كشف أن الوزارة لم تنفذ بعض مشاريع خطة التنمية لتأخر إتمام إجراءات الطرح لأكثر من 6 سنوات مالية وترحيلها من سنة مالية إلى أخرى، والبالغ إجمالي اعتماداتها خلال السنة المالية الحالية ما جملته مليونان و206 آلاف دينار.
مستحقات الوزارة
وفي ملاحظات أخرى رصدها ديوان المحاسبة، أن الوزارة لم تجر جردا للعهد الشخصية والتنظيمية، وتم الاكتفاء بحصرها، وقد بلغت قيمتها في 31 مارس 2017 نحو 15 مليونا و920 ألفا و410 دنانير، بالمخالفة لتعليمات إجراء الجرد السنوي العام لعهد المواد في النظام الآلي الصادر في أكتوبر عام 2000، إضافة إلى استمرار تراكم مستحقات الوزارة لدى المنتفعين بخدماتها، البالغة جملتها 77 مليونا و990 ألفا و537 دينارا، بالمخالفة لقواعد تنفيذ الميزانية، فضلا عن بعض الملاحظات الأخرى المتعلقة بأعمال إدارة برج التحرير، إذ لم تستفد الوزارة من معظم الأجهزة والمعدات الخاصة بتجهيز المطبخ المركزي في البرج، على الرغم من توافر هذه الأجهزة والمعدات منذ 20 عاما تقريبا، وبرغم تحمّل الوزارة آنذاك أعباء مالية كبيرة في سبيل توفير هذه المعدات والأجهزة التي تقارب مبلغ 500 ألف دينار.الألياف الضوئية
مصادر مطلعة أكدت لـ«الجريدة»، أن الوزارة واجهت تعقيدات في إنجاز بعض المشاريع الحيوية المهمة، أهمها التأخير غير المبرر في إنجاز مشروع الألياف الضوئية الذي خصصت له ميزانية تفوق 30 مليون دينار، على أن يتم الانتهاء منه خلال فترة قريبة، إلا أن إهمال الوزارة وعدم القيام بأعمال الرقابة الفعلية واتخاذ الإجراءات القانونية بحق الشركات المخالفة المتعاقدة معها حول هذا المشروع، ساهم في التأخير بإنجازه في موعده المحدد.وأوضحت أن المشروع حاليا شبه متوقف، ولم يتحقق أي إنجاز يذكر، لاسيما مع استمرار التأخير في تحويل الألياف النحاسية إلى ضوئية في عدد من المناطق، مثل بيان، ومشرف، وصباح السالم، التي تدخل ضمن المرحلة الثانية من المشروع، لافتة إلى أنه كان من المفترض أن يتم تحويلها في سبتمبر الماضي، إلا أنه تم تأجيل الموضوع إلى مارس من العام المقبل، خصوصا مع تفاقم المشاكل بين المقاول والوزارة، في حين تبقى مناطق سلوى، والرميثية، والبدع، التابعة للمرحلة الأولى من المشروع، وهي مناطق ذات كثافة سكانية كبيرة، لكنها تعاني عدم توصيل خدمة الإنترنت، بسبب مشكلات مع المقاول الذي لم يركّب «البوكسات» الخاصة بالنظام الذي يفتقر أيضا إلى أعمال الصيانة، وهي حالة من استمرار الصراع والفوضى بين المقاولين والوزارة التي لم تحرك ساكنا، الأمر الذي انعكس سلبا على العملاء الذين لم يحققوا أي استفادة من هذا المشروع، برغم أهميته!الشبكة الهاتفية
وأضافت: أما بالنسبة إلى مشاريع الشبكة الهاتفية المتوقفة، فتعاني أيضا تأخر المقاول في تنفيذ مشروع المنطقة الأولى (العاصمة وحولي)، وذلك من شهر يوليو حتى بداية نوفمبر الماضيين، سواء الخطوط الأرضية أو الفايبر (للشركات)، كلها كانت متوقفة، موضحة أن الوزارة جددت العقد مع المقاول حتى شهر يناير 2018، وبالتالي فإن مشاريع الوزارة متأخرة، سواء في الشبكة الهاتفية (المنطقة الأولى)، أو إدارة المشاريع (المرحلة الثانية من الألياف الضوئية)، مما يؤكد أن الوزارة تعيش حالة من عدم الاتزان في تحقيق أهدافها المدرجة ضمن الخطة التنموية للبلاد للسنوات المقبلة.الخدمات البريدية
وإذا كان مشروع الألياف الضوئية قد أخذ وقتا طويلا في المتابعة والإنجاز البطيء، فإن الوزارة لاتزال عاجزة عن إيجاد الحلول المناسبة لقطاع البريد الذي يعاني هو الآخر سوء الخدمات البريدية المتنوعة التي يقدمها للجمهور، وحسب المصادر، فإن الحركة البريدية شبه مغيبة عما يدور في العالم من حولنا في ما يتعلق بهذه الخدمات التي تعد أحد الموارد المالية للوزارة والدولة بشكل عام، لاسيما أن الخدمات يستفيد منها المواطن والمقيم على حد سواء، مؤكدة أن البريد الكويتي يعاني أزمة حقيقية تبحث عن حلول فورية لا تحتمل التأجيل.وأوضحت أنه على الرغم من المشكلات التي يمر بها القطاع البريدي في الكويت منذ سنوات طويلة، والوعود المتكررة من المسؤولين بأهمية تحويله إلى شركة أو مؤسسة، فإن الوضع يبقى كما هو عليه حتى إشعار آخر، مبينة أن الوزارة لم تستقر حتى اللحظة على تصور واضح يحدد مسار قطاع البريد للسنوات المقبلة، وهذا دليل يضاف إلى جملة من الأدلة والبراهين التي تؤكد أن المشاريع الحيوية والتنموية التي تقع ضمن الخطة التنموية للبلاد، والتي تقع تحت مسؤولية وزارة الخدمات، معلّقة تنتظر الفرج!هيئات وشركات
وأكدت المصادر أنه إذا كانت الوزارة ترغب فعلا في رسم استراتيجية واضحة المعالم تخلو من الغموض، تهدف إلى إنشاء شركات أو هيئات سواء للبريد أو النقل البحري، أو غيرها من القطاعات، فإنه يجب عليها، بداية، دراسة مدى جدوى وجود تلك الشركات، والاستفادة من تجربة إنشاء هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات التي أنشئت بعد سنوات من الروتين الحكومي والمخاطبات الرسمية للحصول على موافقات الجهات الرقابية، مشيرة إلى أن ولادة هيئة الاتصالات بعد هذه المعاناة، لم تقدم جديدا يذكر على الخدمات الفنية المتعلقة بالاتصالات، فلم يشعر المواطن أو المقيم بواقع ملموس على تلك الخدمات، الأمر الذي يطرح أكثر من تساؤل، منها: ما أهمية إنشاء شركات أو هيئات أو مؤسسات إن لم تحدث نقلة نوعية تنهض بمستوى الخدمات المنوطة بها؟، وما الأهداف المرجوة منها؟، وكيف يمكن تلافي الروتين الحكومي في إنهاء كافة الأمور المتعلقة بها حتى ترى النور في وقت قياسي، بدلا من المماطلة غير المبررة للحصول على موافقة الجهات الرقابية المختلفة؟!قيادة مفقودة
فشل وزارة الخدمات في إنجاز بعض المشاريع المنوطة بها، لم يكن وليد اللحظة، خصوصا إذا ما عرفنا أن الوزارة يتولى مسؤولياتها الجسام وكيل بالتكليف لا بالأصالة، وذلك بعد تقاعد الوكيل السابق وإسناد المهمة لوكيل يحمل مهمات جسيمة في قطاعات حيوية أخرى، فضلا عن وجود أربعة قطاعات في الوزارة يديرها وكلاء مساعدون انتهت مدتهم القانونية منذ عدة أشهر، مما يشير إلى وجود مخالفة قانونية في استمرار هؤلاء القياديين في ممارسة أعمالهم، خصوصا في ما يتعلق بتوقيع عقود ومناقصات مع شركات ذات علاقة بمشاريع كثيرة مع الوزارة، فضلا عن قيام الوكلاء المعنيين باعتماد وإصدار قرارات إدارية داخلية.ووفق المصادر، فإن الوزيرة د. جنان بوشهري مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بمعالجة هذه القضية، ولاسيما أنها تمثل جانبا قانونيا مهما يمكن أن تدخل الوزارة على إثره في دوامة شكاوى وقضايا مع أطراف أخرى ربما تكون نتائجها عكسية على الوزارة بشكل عام، موضحة أن حل هذه المشكلة يمكن أن يساهم في وضوح الرؤية لمستقبل الوزارة للسنوات القليلة المقبلة، خصوصا أن وجود مسوغ قانوني لعمل القياديين يمكن أن يدفع بعجلة التنمية في الوزارة لتدب بها الحياة من جديد حتى تكون آلية العمل في مختلف القطاعات تحت مظلة قانونية لا يمكن إغفالها مهما كانت الظروف.