قبل عامين حثثت أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي على التصويت برفض اتفاق إيران النووي، ولم يكن هدفي يومها أن يقرر المجلس إلغاء ذلك الاتفاق الذي ينطوي على الكثير من الفوائد الإيجابية، بل إعطاء الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما درجة من التأثير لإصلاح الخلل الجدي فيه، وفي ذلك الوقت قلت إن «لا» لا تعني بالضرورة «لا على الإطلاق»، فهي يمكن أن تعني أيضاً «ليس الآن وليس بهذه الطريقة»، وهي بالتالي أفضل طريقة من أجل الوصول إلى «نعم».وفكرة «الإلغاء بهدف الإصلاح» يجب ألا تفسر كما يدعو إليه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عبر شعار «إلغاء أو إصلاح» الذي لم يحصل على الكثير من الدعم في سنة 2015، لكنها عادت الآن بفضل قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعدم التصديق على الاتفاق ضمن شروط قانون مراجعة اتفاقية إيران النووية وسعيه إلى مراجعتها من قبل الكونغرس، وتوجد الآن أمام إدارة ترامب فرصة للفوز من جانب أطراف أخرى وقعت هذا الاتفاق وخصوصاً الدول الأوروبية لتصحيح العديد من ثغراته، ومثل هذه التحسينات ستعطي الرئيس الأميركي أساساً منطقياً قوياً لإعادة المصادقة على الاتفاق في المستقبل.
وتجدر الإشارة إلى أن تحقيق هذه الحصيلة ليس عملية سهلة لكنه ممكن، وفي ما يلي ثلاث مشكلات رئيسة في خطة العمل المشتركة الشاملة، وكيف يستطيع الرئيس ترامب تصحيحها من دون الحاجة إلى دفع إيران إلى إعادة التفاوض حول شروط ذلك الاتفاق:
الردع
تم تسويق خطة العمل المشتركة الشاملة، بشكل جزئي، على شكل طريقة لتمكين إيران من استرداد مليارات الدولارات من عوائد العقوبات وكسب مليارات جديدة على شكل استثمارات تجارية أخرى لتحسين اقتصاد طهران ورفع مستوى المعيشة للشعب الإيراني، وتقول هذه النظرية إن هذا كله يربط الإيرانيين بالقوانين والمؤسسات العالمية ويدفعهم إلى المزيد من الاعتدال.وعلى أي حال، ومنذ البداية، كان هناك خوف حقيقي من تحويل إيران مبالغ كبيرة إلى طموحاتها الرامية إلى زعزعة الأوضاع الإقليمية وإلى عملائها المتطرفين، وخلال العامين الماضيين كان ذلك هو الحال بكل تأكيد عبر توسيع إيران برنامجها من الصواريخ البالستية ونفوذها الإقليمي من خلال ضخ أموال وأسلحة إلى حزب الله، وإلى الحوثيين في اليمن والآلاف من رجال المليشيا الشيعية القادمين من أفغانستان للقتال في سورية والعراق.ويمثل برنامج الصواريخ البالستية مشكلة كبيرة نظراً لأن إيران تستغل ثغرة سمحت بها إدارة أوباما ضمن قرار مجلس الأمن الدولي من أجل المضي قدماً في تطوير صواريخ قادرة على حمل أسلحة نووية، ولذلك لن يكون في وسع أنصار الاتفاق المجادلة في أن الخطة المشتركة الشاملة للعمل قد أوقفت أو جمدت أو علقت برنامج إيران الخاص بالأسلحة النووية، ومثل هذا البرنامج ينطوي على ثلاثة أجزاء رئيسة هي التطوير والتسليح والإطلاق، وتشكل الصواريخ البالستية جزءاً متمماً من ذلك، وبكلمات أخرى فإن الجوانب المهمة من ذلك البرنامج تتمثل بالمضي قدماً سواء بوجود الاتفاق أو من دونه.ومن أجل إصلاح هذه المشاكل يمكن أن تسعى الإدارة الأميركية الآن إلى تفاهم مع الدول الأوروبية والشركاء الدوليين الآخرين حول عقوبات يمكن أن تفرض على إيران بسبب استمرارها في الاستثمار في برنامجها من الصواريخ البالستية وأنشطتها الإقليمية الاستفزازية. وبغية جعلها فعالة يتعين أن تفرض تلك العقوبات عقوبات متفاوتة على طهران في مقابل كل دولار تنفقه على الصواريخ البالستية وحزب الله والحوثيين واللاعبين السلبيين الآخرين. ونظراً لأن هذه العقوبات تقع خارج الخطة المشتركة الشاملة للعمل فإن تنفيذها لا ينتهك أي وعد سبق أن قدم إلى إيران، كما أن المضي في هذا المسار سيبدأ أيضاً بإصلاح خطأ إدارة الرئيس السابق أوباما إزاء «سياسة إيران النووية» وليس «السياسة الإيرانية» الأوسع.العواقب
لا توجد عقوبات متفق عليها على إيران بسبب انتهاكاتها شروط الاتفاق النووي ما عدا غرامات الملاذ الأخير لعقوبات الأمم المتحدة، وهذا يشبه وجود قانون قضائي واحد هو عقوبة الإعدام في مقابل كل جريمة، والنتيجة ستكون بشكل فعلي عدم معاقبة طهران على أي جريمة.ومن جديد، وكما أظهر سجل العامين الماضيين، كانت تلك هي الحال، وعلى عكس التقارير الصحافية كانت هناك انتهاكات عديدة لشروط الاتفاق النووي، ولكن إيران كانت في كل مناسبة تحصل على فرصة لإصلاح أخطائها، وهذه حصيلة منطقية لعدم وجود عقوبات متفق عليها سوى إلغاء الاتفاق بصورة كاملة.ويتمثل الحل بتوصل الولايات المتحدة إلى فهم مع شركائها الأوروبيين حول العقوبات الملائمة التي يتعين أن تفرض المنظور الأوسع للانتهاكات الإيرانية، ولدى مجلس الأمن الدولي إمكانية تحديد تلك العقوبات في موعد لاحق ولكنها غير ذات قيمة بالنسبة إلى ردع إيران عن الانتهاك ما لم يتم تحديد ذلك الآن.النهاية
كان أحد أكبر الأخطاء في الخطة المشتركة الشاملة للعمل انتهاء كل القيود على قيام إيران بتخصيب المواد النووية خلال 15 سنة من الاتفاق، وتجادل طهران في أنها ستظل إلى الأبد ملتزمة بعدم إنتاج أسلحة نووية بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي، ولكن لو كان هناك من يعتقد بصدق ذلك الوعد لما كانت هناك حاجة إلى الخطة المشتركة الشاملة للعمل في المقام الأول.وبوصفه القائد الذي فاوض على اتفاق إيران النووي كان في وسع الرئيس أوباما المساعدة على إصلاح هذا الخطأ عن طريق إصدار إعلان يجعل سياسة للولايات المتحدة في ذلك الوقت وفي المستقبل تنص على استخدام كل الوسائل الضرورية لمنع إيران من تجميع اليورانيوم العالي التخصيب؛ لأن استخدامه الوحيد هو لإنتاج سلاح نووي فقط، ومثل ذلك التصريح الذي يتعين أن يحصل على مصادقة من الكونغرس الأميركي كان سيمضي إلى أبعد من صيغة «كل الخيارات مطروحة على الطاولة» التي- للأسف– فقدت الكثير من صدقيتها في الشرق الأوسط.القرار الاستراتيجي الإيراني
بعد عامين على الاتفاق النووي الإيراني يبرز سعي طهران المتواصل للحصول على صواريخ بالستية فعالة بقدر أكبر– وهي أحد جوانب برنامج الأسلحة النووية– من قرارها الاستراتيجي لمتابعة خيار السلاح، ولذلك فإن إصلاح هذا الجانب أصبح أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى. وفي وسع الرئيس ترامب تحقيق ذلك عن طريق التوصل إلى اتفاقية مع الأطراف الخمسة التي وقعت الخطة المشتركة الشاملة للعمل– أو في حال تردد روسيا والصين مع ثلاث دول أوروبية فاوضت على الاتفاق النووي على الأقل وهي بريطانيا وفرنسا وألمانيا– من أجل إصدار إعلان مشترك ملزم لاتخاذ ما يلزم لمنع إيران من تجميع اليورانيوم العالي التخصيب، ومن أجل إعطاء ذلك الإعلان ثقلاً حقيقياً يمكن للدول الموقعة البدء بعملية تخطيط مشتركة تهدف إلى تنفيذ التزامها إذا دعت الضرورة.ربما يرحب حلفاء الولايات المتحدة بهذا الإعلان لأنه قد يخفف مخاوف بعضهم إزاء توسيع إيران السريع لبرنامجها النووي، ويستطيع ترامب أيضاً إصلاح ثغرة رئيسة في مفاوضات الخطة الأصلية المشتركة الشاملة للعمل عبر إجراء مشاورات مع الأطراف المهددة بصورة مباشرة بسعي طهران للحصول على السلاح النووي، وهي إسرائيل ودول الخليج العربية وخصوصا السعودية.لا شيء من هذا كله سيكون سهلاً، وخصوصا مع وجود خطر أزمة مع كوريا الشمالية، ولكن إذا مضى ترامب في هذا المسار فإن ما يعتبر في مصلحته هو المجادلة في أن «البديل هو أسوأ»، أي الانهيار الفوري لاتفاق إيران النووي وزوال كل القيود على برنامج طهران النووي، وبما أنني لا أعتقد أن هذا سيفضي إلى حرب فإن الكثيرين في برلين وباريس ولندن قد يظنون ذلك وهو ما يمكن لإدارة ترامب استخدامه لمصلحتها.* روبرت ساتلوف