كيف أنتج «داعش» ترسانته من الأسلحة الفتاكة بمستوى صناعي؟
في وقت متأخر من فصل الربيع اكتشفت القوات العراقية التي كانت تقاتل تنظيم "داعش" في الموصل ثلاث قذائف "آر بي جي" لم تنطلق، ومن نوعية غير عادية، كانت تحتوي على سائل ثقيل داخل رؤوسها الحربية، وقد أظهرت الاختبارات فيما بعد أن الرؤوس الحربية احتوت على عناصر من الغاز المنفط الذي يشبه غاز الخردل، وهو سلاح كيميائي محظور يحرق جسم الضحية والجهاز التنفسي.القوات المقاتلة غير النظامية ذات القدرة المحدودة على الوصول إلى أسواق السلاح العالمية تصنع أسلحتها الخاصة بصورة روتينية، ويقول سولمون بلاك المسؤول في وزارة الخارجية الأميركية الذي يرصد ويحلل الأسلحة إن "تنظيم داعش نقل هذه الممارسة إلى مستويات جديدة، وكان إنتاجه يختلف عن أي شيء شهدناه من قبل على الإطلاق لدى قوة غير حكومية".وكانت الأسلحة التي أُنتجت واستخدمت ضد خصوم "داعش" والمدنيين أيضاً في عدة جبهات من نوعية حديثة تتسم بقسوة جلية، فعلى سبيل المثال كانت بعض مكونات هذه الأسلحة من النوعية القياسية بما في ذلك قاذفات تحمل على الكتف وذخيرة مدافع هاون وألغام، وقد أنتجت بكميات صناعية، وأظهرت الحصيلة أيضاً وجود نماذج أولية من الأسلحة، وبعد أن دُحر "داعش" من كل المناطق التي كانت خاضعة لسيطرته تقريباً في العراق وسورية يقول مسؤولون أمنيون إن تقدمه يشكل خطراً في أماكن أخرى مع انتقال أعضائه إلى دول جديدة وتشكيل شبكات تسلح تتشاطر المعلومات حول إنتاج السلاح عبر الإنترنت.
ويقول خبير إزالة الألغام السابق بقوات المارينز الأميركية آرنست جونيور إن "داعش" انتقل إلى الفلبين وهو موجود بإفريقيا، وكان أحد الأسباب وراء هذا التقدم الذي حققه واضحاً تماماً: نمو برامج تسليحه من خلال العناصر التي كانت تقاتل الاحتلال الأميركي للعراق من سنة 2003 حتى 2011.وبرعت المجموعات من مختلف الطوائف في صنع قنابل محلية من مخلفات ذخيرة تقليدية من الجيش العراقي بعد خسارته المعركة عام 2003 ومن مكونات صنعها التنظيم بنفسه، فضلاً عن تلقي مساعدة فنية من إيران. وقامت مجموعات سنيّة أيضاً بصنع أسلحة كيميائية بالجمع بين متفجرات ومادة الكلورين السامة ومن مخلفات صواريخ أو قنابل تعود إلى برنامج الجيش العراقي.
البناء على الصناعة القاتلة
عمل "داعش" الذي نشأ من "القاعدة" في العراق على البناء على صناعة الموت التي خلفتها تلك الحركة، وعندما سيطر على أجزاء من الأرض والمدن الرئيسة في سنة 2014 سيطر كذلك على متاجر ومعامل متنوعة وآلات تعمل بالكمبيوتر، كما استولى على جامعة تقنية واحدة على الأقل وعلى مختبر، وهو ما ساعده في تعزيز مركزه بميدان التسلح. ويقول داميين سبليترز، وهو رئيس العمليات الخاصة ببحوث أسلحة النزاعات في العراق وسورية إن "وراء تلك القدرة كانت بيروقراطية تسلح أشرفت على تطوير وتصنيع الإنتاج"، ويضيف أن النظام "كان مرناً"، في حين يقول ماك إينالي أحد الخبراء العسكريين "إن فرق إزالة الألغام واجهت لدى قيامها بمهامها أجهزة تسمح لمقاتلي التنظيم باختيار أجزاء حربية وتجميعها بسرعة وكان ذلك يتم بصورة فعالة وبارعة".من جهة أخرى قال باراغاس "إن قاذفات المتفجرات نفسها تم تحسينها عن طريق ما يدعى متفجرات محلية الصنع أنتجت على مستوى صناعي، ولكن "داعش" عمد إلى تحسين المتفجرات عبر إضافة مادة أخرى تجعل إطلاقها أكثر سهولة، وقد وثقت "نيويورك تايمز" استيراد التنظيم كميات كبيرة من نترات الأمونيا من تركيا مع أجزاء من الأنابيب الثقيلة.ويقول ماك إينالي إن "داعش حسّن أيضاً شحنات تكميلية لقنابل الهاون بغية توسيع مداها وتشبه ألغام التنظيم تلك التي تصنع في إيطاليا ضد الأفراد، وتدعى في إس-50 على الرغم من أن النوعية التي استعملها "داعش" كانت أكبر حجماً، ومع مرور الوقت أصبحت تلك الألغام مقاومة للماء، وهو ما ساعدها في إطالة فترة بقائها تحت الأرض. ويضيف إينالي "إن الجيل الأول من الألغام الأرضية لم يكن مصنوعاً بشكل جيد، لكن التنظيم تمكن من تحسينها، كما عمد إلى جمع أجزاء من القنابل التي ألقتها طائرات التحالف الأميركي وأعاد استخدامها".نقاط الضعف
ولكن لم تكن كل عمليات تطوير التنظيم للأسلحة فعالة، وعندما أخفقت التصاميم الاختبارية غير مهندسو "داعش" التركيبة. من جهة أخرى قال أسو محمد، وهو خبير كردي يعمل في إزالة الألغام، إن تقديراته تشير إلى أن 60 في المئة من الإصابات التي لحقت بقوات البشمركة بشمال العراق كانت نتيجة متفجرات من "داعش" الذي كان يستخدمها ضد قوات الجيش والشرطة. ● جون إيسمي وتوماس جيبونز- وسي جي تشيفرز - «نيويورك تايمز»