شاعت سمعة البتكوين لسببين رئيسيين؛ الأول هو الصعود القوي لقيمة هذه العملة الافتراضية، إذ وصلت القطعة النقدية الواحدة منها إلى 17 ألف دولار عند كتابة هذا المقال، وأثرى بعض المستثمرين من جراء ذلك. والثاني، لأن البتكوين تشكل هدرا للطاقة.

أحد التقديرات الواسعة الانتشار يذهب إلى أن «سك» تلك العملة الافتراضية يستهلك من الطاقة أكثر مما تستهلكه ايرلندا بكاملها. وفي تقدير آخر ورد أنها تستهلك من الكهرباء ما يعادل استهلاك الولايات المتحدة بأسرها بحلول صيف 2019.

Ad

هكذا، استهلاك كل الولايات المتحدة، من أجل عملة ليست مفيدة جداً، وهي ليست ملموسة بالتأكيد. وليس بوسعك حفظ وإنفاق البتكوين كما تفعل مع الدولار والسنت، رغم ما تمثله في الوقت الراهن من استثمار مجزٍ. ويتم التعامل بالبتكوين الآن على شكل أصول قابلة للتداول، وهي لا تنفق في المتاجر أو عبر مواقع الشبكة العنكبوتية لشراء بضائع أو خدمات.

وهكذا، فإن الأسئلة هي: هل تستهلك البتكوين حقاً كل تلك الطاقة؟ وهل تحتاج هي والعملات الافتراضية الأخرى إلى ذلك القدر من الطاقة في المستقبل؟ وهل استخدام تلك الطاقة يستحق ذلك حقاً ضمن المنظور الاجتماعي الأوسع؟ وهل تستطيع البتكوين تبرير ارتفاع طاقتها في عصر تغير المناخ وتراجع موارد الطاقة السائدة؟

لا تقوم الحكومات أو البنوك بإصدار البتكوين، وهي تصنع من قبل شبكة «لامركزية» من «المعدنين» الذين يسكون نحو 3500 وحدة جديدة يومياً. ويلعب المشتغلون بالتعدين دوراً مهماً في تثبيت العمليات بين المشاركين في الشبكة. وهم يسمحون للشبكة بالعمل من دون سلطة تنسيق أو رقابة مثل بنك مركزي.

وعلى أي حال، فإن هذه اللامركزية ليست كافية، ويتنافس المعدنون للحصول على حق تثبيت العمليات في سجل البتكوين الشامل – سلسلة كتلة – من خلال التسابق لحل الأحجيات الرياضية المعقدة. ويتطلب ذلك الكثير من معالجة الحاسوب، وهو يشبه اليانصيب الضخم. وتمر أنظمة التعدين عبر الملايين من الرسائل والأرقام، للعثور على تذكرة رابحة والمطالبة بالجائزة.

ارتفاع سعر البتكوين

ومع ارتفاع سعر البتكوين ارتفعت الحوافز لتعدينها. وعملية معدل خليط الشبكة – وهو إجراء نشاط حوسبة – نما تماشياً مع سعر البتكوين في السوق. والأكثر من ذلك، وجود حوافز لدى المعدنين لاستعمال أرخص ما يمكن من الطاقة الكهربائية، فهي التكلفة الأعلى في أعمالهم: كل سنت زائد ينفقونه من أجل تشغيل آلاتهم يقتطع من أرباحهم المحتملة ويقال إن نصف مجمعات التعدين في العالم موجود في الصين، وفق إحدى الدراسات.

ومع استخدام الصين للكثير من الفحم لإنتاج الكهرباء، فإن البتكوين تساعد بذلك على زيادة انبعاثات الكربون.

ونظراً للسرية التي تحيط بشبكة البتكوين، إذ لا نعرف حقاً عدد الأشخاص العاملين في التعدين ولا فاعلية المعدات التي يستخدمونها.

ويأتي التقدير حول ايرلندا من موقع يدعى ديجيكونوميست (Digiconomist)، الذي يفترض إنفاق المعدنين لـ60 في المئة من أرباح التعدين على الكهرباء. لكن تقديراً آخر صدر عن أحد رواد الأعمال في العملة الافتراضية، ويُدعى مارك بيفاند، يحسب أن استخدام الطاقة الفعلية لشبكة البتكوين يعادل خمس مرات أقل من ذلك.

ويرجع ذلك إلى أنه يظن أن المعدنين يتسخدمون معدات أكثر كفاءة مما يفترضها ديجيكونوميست. ويقدر بيفاند الطاقة الفعلية المستخدمة بما يعادل موسم أعياد واحد من الإضاءة التزينية، وهو بالتأكيد كثير، لكنه ليس بقدر استهلاك دولة أوروبية متوسطة الحجم.

ما الذي نستطيع عمله؟

يتمثل أحد الحلول في استخدام أشكال أكثر نظافة من الطاقة، وخاصة تلك التي تهدر.

وفي جبال الألب النمساوية، يقوم هايدرو ماينرز باستئجار أو شراء محطات القوة الكهربمائية، وملئها بآلات التعدين.

ويقول مايكل ماركوفيشي، وهو مستثمر في الشركة الناشئة، إن 320 قدماً مربعة فقط من معدات تعدين البتكوين تستطيع بسهولة حرق 500 كيلوواط من الطاقة الدائمة، أي ما يعادل 142 مكيف هواء مركزيا تعمل بصورة متواصلة. لكن تأثير طاقة وانبعاثات الشركة الناشئة ليست له أهمية في رأيه. وطاقة مصنع القوة الكهربامائية لا تذهب عادة إلى المنازل والشركات، لذلك فهي مسألة استهلاك شيء لن يستخدم.

وإحراق النفايات لتوليد الكهرباء للتعدين فكرة أخرى. وانضمت شركة تعدين أخرى، تدعى ستاندرد أميركان مايننغ، إلى اختصاصيين في صناعة الإطارات للكهرباء، تدعى بيرتي، وأسست أول منجم في العالم لإنتاج الفضلات للطاقة للعملة الافتراضية. وهذا يعني أنها تأخذ الطاقة المولدة من إحراق الأطارات القديمة لاستخدامها في تعدين البتكوين.

وسوف يجعل التعدين بالطاقة الشمسية الجوانب البيئية منطقية، وخاصة في فترة ما بعد الظهر عندما تولد المنشآت المزيد من الطاقة بقدر يفوق قدرة استيعاب الشبكة الكهربائية.

وعمد ناستي مايننغ، وهو ناد لأنصار تعدين العملة الافتراضية في الآونة الأخيرة إلى توحيد جهوده مع شركة صن باور التي تصنع الألواح الشمسية، والتي تبرعت بـ 29 لوحاً لأغراض التعدين.

وفي غضون ذلك، قد تشجع العملات الافتراضية أصحاب المنازل على الحصول على ألواح شمسية إذا أرادوا سك عملاتهم الخاصة. و»سولار كوين»، هي شركة عملة افتراضية مصممة لتشجيع الناس على شراء الألواح الشمسية عبر دفع قطعة نقد واحدة مقابل كل ساعة ميغاواط من الكهرباء يولدها أصحاب المنازل من ألواحهم. وتساوي القطعة المعدنية الواحدة في الوقت الراهن نحو 50 سنتاً من الأموال التقليدية.

ويقول أوغ ناستي، وهو الرئيس التنفيذي لشركة ناستي مايننغ: «مع التسويق الصحيح يمكن للعملة الافتراضية أن تشجع الناس العاديين على الاستثمار في الطاقة الشمسية، بغية التعويض السريع عن تكاليفهم، وتحقيق أرباح مستقبلية عبر التعدين. ويمكنك المجادلة أيضاً في أنها تشتمل على إمكانية استخدام العائلات للغاز، لأن التدفئة سوف تصبح شيئاً يتم باستخدام معدات التعدين».

البدائل

شبكة بتكوين ليست المنصة الافتراضية الوحيدة الموجودة، والمنصات الأخرى أقل استهلاكاً للطاقة. ولدى منصة ايثيريوم، وهي البديل لبتكوين، نحو ضعف معدلات المعاملات، ومع ذلك فهي تستخدم نحو ثلث الطاقة، وفق ديجيكونوميست. والأكثر من ذلك، فإن مؤسسة الايثيريوم، التي توفر الأساس الفني للشبكة، تطور طريقة جديدة لتثبيت العمليات التي تعد بأن تكون أكثر كفاءة وفاعلية.

وسوف يحل بروف اوف ستيك، وهو بروتوكول جديد، محل البروتوكول الحالي المستخدم في البتكوين والايثيريوم معاً، والمعروف باسم بروف أوف وورك. ولا يكافئ بروف أوف ستيك المعدنين مقابل حل الأحاجي. وبدلاً من ذلك، يتم اختيار أصحاب العملة من مجموعة مثبتين ومكافأتهم عبر رسوم عمليات لقاء المساعدة على الحفاظ على نزاهة الشبكة.

وبشكل تجريبي يقوم برام كوهن وهو مخترع بت تورنت بتطوير شبكة تشيا وهي بديل بيئي لبتكوين يعتمد على بروتوكول آخر يدعى بروف أوف سبيس، وهو يسمح للمعدنين بالاشتراك كمثبتين يستخدمون حواسيبهم اليومية فقط. ويطرحون تخزيناً احتياطياً على حواسيبهم، ويحصلون على مكافأة تتماشى مع ما يوفرونه. وتتمثل الغاية هنا في العودة بتعدين العملة الافتراضية إلى بداياتها المساواتية، حيث كان في وسع أي شخص يملك جهاز حاسوب الاشتراك وفقاً لميزانيته وقوة حوسبته.

ويقول كوهن إن «الهدر في الكهرباء في بتكوين ضخم حقاً». وهو يقدر أن بتكوين تستخدم ما لا يقل عن 10 ملايين دولار من الكهرباء في اليوم. ويضيف: «تشكل مركزية التعدين مشكلة بالنسبة لسياسات بتكوين اليومية». ويقول إن الشبكة الجديدة سوف تكون أقل تركيزاً للطاقة من بتكوين، لأنها لن تعرض ميزة للمعدنين مع قوة معالجة إضافية. وتأمل تشيا بالانطلاق في نهاية العام المقبل إذا نجحت قائمته في العمل، وهو يشغل مبرمجين من أجل البدء بالعمل.

هل تستحق بتكوين الطاقة؟

سواء استبدلت بتكوين بشبكات عملة افتراضية أو بروتوكولات أخرى أم لا، فإن لديها تركيبة داخلية لخفض استخدامها للطاقة بمرور الوقت. وبموجب قوانين وضعها ساتوشي ناكاموتو – مخترعها المجهول – سوف تتراجع مكافآت تعدين بتكوين في المستقبل، وتعمل على شكل مثبط للمعدنين للاستثمار في معدات أكبر وأكثر تعطشاً للطاقة. وفي سنة 2020 سوف يكلف التحقق من كتلة واحدة من المعاملات ما يعادل 6.25 قطع نقدية فقط (إضافة إلى الرسوم)، مقارنة مع 12.5 قطعة الآن (إضافة إلى الرسوم).

وعلى أي حال، قد يكون السؤال الأكثر أهمية هو ما إذا كانت بتكوين تستحق استخدام الطاقة على الإطلاق. ويتوقف ذلك على منظورك. وإذا كانت بتكوين مجرد فقاعة، فإن ذلك سيكون بمثابة هدر كبير للموارد.

وبعد كل شيء، توجد قلة من الأسباب التي تبرر وجود بتكوين. والدفع عن طريق بطاقة ائتمان أو نقداً أو هاتف جوال سهل تماماً. ولدى بتكوين معدلات معالجة بطيئة، مقارنة مع شبكات الدفع التقليدية مثل فيزا. ونحن لسنا بحاجة إلى عملة جديدة إذا كان الهدف هو سهولة الاستعمال. وتبدأ بتكوين بطرح أسلوب منطقي لأسباب سياسية بقدر أكبر، نظراً لأنك لا تحب البنوك المركزية والبنوك بصورة عامة، أو لأنك تريد العمل بسرية، بعيداً عن نظر الحكومة والمتطفلين الآخرين.

المجادلة الأكثر إيجابية لإنفاق الطاقة على بتكوين هي أنها الخطوة الأولى في رحلة. وبتكوين تجربة رائعة في حوسبة جديدة لامركزية، ويمكن أن تكون لها مضاعفاتها على كل أنواع معالجات الأعمال من المال إلى الموسيقى، وهي أيضاً ينبوع للشركات الناشئة الجديدة والوظائف.

وسوف ينتهي الأمر إلى تحديد ما إذا كنت تظن أن بتكوين هي أكثر من مجرد عملة – أي أنها المرحلة الأولى في ثورة سوف تفضي في نهاية المطاف إلى لامركزية معظم النشاط التجاري، وتسليم السلطة إلى الأفراد، بدلاً من الوسطاء المكلفين، مثل: البنوك والمحامين.

* بن شيلر