ما قــل ودل: حق العسكريين في الانتخاب بين تعزيز الديمقراطية وإبعادهم عن اللعبة السياسية!
لا أختلف مع اللجنة التشريعية بمجلس الأمة في توسيع المشاركة الشعبية لتعزيز نظام الحكم الديمقراطي باعتباره وسيلة الشعب لحكم نفسه بنفسه، وبقدر ما يحقق نظام الانتخاب شمول الاقتراع العام بكل فئات الشعب وأطيافه وألوانه بقدر ما يكون نظاماً ديمقراطياً ودستورياً.
وافقت اللجنة التشريعية بمجلس الأمة في الأسبوع قبل الماضي في الكويت على اقتراح بقانون بتصويت العسكريين ورجال الشرطة في الانتخابات العامة، في الوقت الذي كانت تجري فيه محاكمة عسكرية في مصر لعقيد في الجيش المصري نشر فيديو على قنوات التواصل في مصر، قضت المحكمة العسكرية بحبسه لمدة 6 سنوات، لمخالفته التعليمات والأوامر العسكرية، حيث لم تكن قد قبلت استقالته وقت نشر هذا الفيديو.ولـئن كنت أتفق تماما مع هذا الحكم في الحظر المفروض على رجال الجيش في العمل بالسياسة إلا أنني كنت أتمنى لو قبلت استقالة الضابط المذكور، وقضت المحكمة العسكرية بانقضاء الدعوة بعد زوال صفته العسكرية، لأن القانون يجب أن يفسر روحه قبل نصه وأن الدستور فوق كل التعليمات بما أباحه من حرية وحق الانتخاب والترشح للرئاسة، خصوصا مع ما قد يثيره هذا الحكم من أقوال ومزاعم تسيء إلى رئيس مصر، وتنال من شرعية الانتخابات الرئاسية في مصر المزمع إجراؤها بعد شهور، وأوجه من خلال هذه الصفحة الى الرئيس نداء بالعفو عن العقيد المذكور، خصوصا وأنا على يقين أن إتاحة الفرصة لكل من يريد الترشح لهذه الانتخابات هو الذي سيكفل هذه الشرعية.
توسيع المشاركة الشعبيةولا أختلف مع اللجنة التشريعية بمجلس الأمة في توسيع المشاركة الشعبية لتعزيز نظام الحكم الديمقراطي باعتباره وسيلة الشعب لحكم نفسه بنفسه، وبقدر ما يحقق نظام الانتخاب شمول الاقتراع العام بكل فئات الشعب وأطيافه وألوانه بقدر ما يكون نظاما ديمقراطيا ودستوريا، وبقدر ما يقعد عن تحقيق هذا الهدف بقدر ما ينكص النظام الديمقراطي والنظام الدستوري على عقبيه، وأقدر قرارها خفض سن الرشد السياسي إلى 18 سنة باعتباره رافدا من روافد المشاركة السياسية والذي كان الاعتراف بحق المرأة في الانتخاب هو بدوره أحد روافده، فإننا نستميح اللجنة عذرا في أن نختلف معها في قرارها بمنح العسكريين حق الانتخاب أسوة برجال الحرس الوطني الذين لم يشملهم المنع من هذا الحق بموجب قانون الانتخاب، وكم كنت أتمنى أن يعدل هذا القانون ليشمل المنع الحرس الوطني أيضاً.الانقلابات العسكريةوأختلف مع من يؤيدون تصويت العسكريين في المناطق العربية أو العالم الثالث بوجه عام، على سند من أن هذا الحق مقرر لهم في الدول الغربية لأن القياس هنا مع الفارق في الثقافة والوعي السياسي، فضلا عن أن العالم الثالث هو الأرض الأكثر خصبا للانقلابات العسكرية في العالم كله، وتشير تجارب الانقلابات العسكرية إلى فشلها في تحقيق أي حكم ديمقراطي أو أي تقدم فيه، بالرغم من الأهداف التي نقلتها هذه الانقلابات بأن هدفها هو تحقيق حكم ديمقراطي سليم عجز المدنيون عن تحقيقه.وكان التغيير الذي أحدثته هذه الانقلابات هو تغيير في الطبقة الحاكمة دون أي مساس بجوهر النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي، عدا بعض الثورات ومنها ثورة 23 يوليو 1952 التي أحدثت تغييرا جذريا في النظام الاجتماعي، ولكنها لم تكفل له المؤسسات الدستورية القادرة على حمايته بعد وفاة زعيم الثورة الراحل جمال عبدالناصر، فعاد النظام الرأسمالي متسما بالتوحش والشراسة، ولم نعد نرى من رجال الأعمال المعاصرين مثل من كانوا يبنون نهضة مصر الاقتصادية من الأبرار الوطنيين أمثال طلعت حرب وغيره.خطأ وقعت فيه مصر ويعيدنا تصويت العسكريين بالذاكرة إلى ما كان عليه الأمر في ظل دستور 1923 في مصر من إعفاء العسكريين من التصويت في الانتخابات العامة، إلى أن قامت ثورة 23 يوليو سنة 1952، فأصدرت القانون رقم 73 لسنة 1956، الذي اعترف لأول مرة بحق العسكريين في التصويت في الانتخابات العامة، وفاء لحق الجيش الذي قام بالثورة.وعند تطبيق هذا القانون في الانتخابات العامة التي جرت بعد صدوره، قدمت طعون انتخابية بسبب التلاعب في فرز الأصوات الذي كان يتم داخل وحدات القوات المسلحة، وتأثيره في نتائج الانتخابات، وأصدرت محكمة استئناف القاهرة حكمها بجلسة 19/ 4/ 1976 في أحد الطعون الانتخابية، الذي قضت فيه بإدانة طريقة فرز الأصوات في وحدات القوات المسلحة وتأخير إعلانها إلى ما بعد إعلان نتائج انتخابات المدنيين، وطالبت المحكمة بتعديل قانون الانتخاب بما يضمن سلامة العملية الانتخابية.حرمان العسكريين مرة أخرىوقد استجاب المشرع لنداء المحكمة وأصدر القانون رقم 76 لسنة 1976 بإعفاء رجال القوات المسلحة والشرطة من حق الانتخاب، معللاً ذلك بما جاء في مذكرته الإيضاحية من أن القوات المسلحة هي درع هذا الوطن العظيم، وأن الانخراط في التنظيمات السياسية مع تنوع الآراء والعقائد والمفاهيم التي تدعو إليها أمر بالغ الخطر وعظيم الضرر؛ إذا ما امتد أثره إلى داخل القوات المسلحة؛ مع ما يرتبه ذلك من تفرق في الرأي، واختلاف في النظر، بما يفتت وحدة القوات المسلحة، ويهدم تماسكها، ويعرضها إلى فقد الهدف والغاية... وأنه لهذا نصّت قوانين الخدمة العسكرية على حظر اشتغال أفراد القوات المسلحة بالسياسة.وهذا النظر يتفق وطبيعة عمل القوات المسلحة التي يجب أن تنأى به دوماً عن العمل السياسي، وما قد يجلبه هذا العمل من تطاحن وتنافر نتيجة لاختلاف العقائد والميول السياسية. وأن أفراد القوات المسلحة وكذلك ضباط وأفراد هيئة الشرطة الذين تقتضي طبيعة عملهم السهر على حماية الوطن واليقظة التامة في كل وقت، للقيام بهذا الواجب الوطني القوي، الأمر الذي يتعارض مع إدلائهم بأصواتهم في الاستفتاءات والانتخابات، بما يصرفهم عن واجبهم.بعد ثورة 25 يناير وكانت أول حكومة شكلت بعد قيام ثورة 25 يناير، والتي كان يترأسها د. عصام شرف فى محاولتها لإرضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي تولى السلطة مؤقتا، لحين وضع دستور جديد للبلاد وإجراء الانتخابات، قد أعلن مستشارها الإعلامي د. أحمد السمان أن مجلس الوزراء قرر حذف الفقرة الأخيرة من المادة (1) من قانون مباشرة الحقوق السياسية التي تعفي ضباط وأفراد القوات المسلحة وهيئة الشرطة طوال مدة خدمتهم من الواجب الانتخابي، إلا أنه بعد أقل من ساعة خرج عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة اللواء ممدوح شاهين لينفي هذا التعديل، وبعدها بدقائق تراجع د. السمان عن تصريحاته السابقة مؤكدا أن المجلس ناقش الأمر، ولم يوافق عليه، وأنه لن تتم الموافقة على التعديل إلا بعد طرحه للنقاش المجتمعي.مجلس الوزراء عسكري أكثر من العسكريينوكتبت على هذه الصفحة مقالا في عدد الجريدة الصادر في 6/5/2011 قلت فيه: إن للخبر السابق في رأينا دلالة أخرى، هي أن ثورة 25 يناير لم تؤت ثمارها، حتى في الحكومة التي شكلت من رحم الثورة في ميدان التحرير، ذلك أن تصريح المستشار الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء، ونفي المجلس الأعلى للقوات المسلحة لا يحملان سوى معنى واحد، هو محاولة من مجلس الوزراء إرضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة باءت بالفشل حين رفضها هذا المجلس، إصرارا منه على أن يكون رجال القوات المسلحة بمنأى عن العمل السياسي، أي أن مجلس الوزراء في هذا الموضوع كان ملكيا أكثر من الملك، أو عسكريا أكثر من العسكريين.
أقدر قرار اللجنة التشريعية بمجلس الأمة خفض سن الرشد السياسي إلى 18 سنة باعتباره رافداً من روافد المشاركة السياسية