علياء الكاظمي... وانغماس روائي يُعانق الواقع
علينا الاعتراف بأن الروائية الكويتية علياء الكاظمي هي من أكثر الكاتبات انتشاراً، وتحمل بصمة «أكثر الكتب الكويتية مبيعاً»، فقد أصدرت روايات حققت مبيعات عالية وبطبعات عدة، من بينها «يا بعده» التي وصلت إلى الطبعة السادسة والأربعين، وهو رقم بمقياس النشر في العالم العربي والكويت فريد ومرتفع جداً، وتجد إصداراتها على رفوف المكتبات في الكويت ودبي والبحرين وبيروت ولندن، وهنا يطرح التساؤل لماذا تُحقق علياء الكاظمي هذا النجاح المُبهر رغم أن أعمالها بعيدة عن نقد أقلام النقاد والأكاديميين؟
الجواب ببساطة أن علياء الكاظمي لم تهرب بعيداً بالخيال، ولم تُحاول أن تُزخرف الجُمل والكلمات، أنما أرادت التعايش مع الواقع والانغماس فيه بقوة. لذا أبحرت في مساحات الرواية الواقعية، وهو ليس بأمر جديد في عالم الأدب، فكثير من الراويات العالمية التي تحوّلت إلى أعمال سينمائية ناجحة تأتي من أحداث واقعية.نجحت الكاظمي عندما قررت منذ البداية أن تكتب لمجتمعها، وتخوض في قضاياه الحياتية العادية، وتقتحم نوافذ البيوت لتسمع شكاوي هنا وهناك، وترسمها على الورق بنجاح، وتخوض بالخصوص في قضايا المرأة وتلفت انتباه الجميع.في الحقيقة، لا يمكننا أن نعرض لعناوين إصداراتها لكثرتها، لكن قد تكون أول رواية لها هي «ويبقى الأمل ينبض بالحياة» عام 2006، وتليها «جُمان» عام 2007 وبعدها «بلا هوية» حتى نصل إلى «ولم يرحمني أحد» عام 2017 التي سنعرض لها في هذا المقال، ووفق مصادر موقع «ويكيبيديا» العالمي صدرت لها نحو 13 رواية بعضها تحوّل إلى أعمال درامية تلفزيونية.
تقديم المُختلف
تحمل علياء الكاظمي شهادة البكالوريوس من جامعة الكويت، لكن هواية الكتابة تلاحقها لتقدِّم للقارئ الكويتي عشرات الأعمال وبطبعات عدة. تقول في تصريح لوكالة «كونا» إن «شعورها بالقدرة على تقديم شيء مُختلف للآخرين، والمساهمة بطريقة ما بتغيير أنماط تفكيرهم، دفعها إلى أن تكتب وتقدم أفكاراً ورؤى إيجابية لأمور معينه قد تسهم في تحقيق الفائدة للجميع». وقعت بين أيدينا روايتها الأخيرة «ولم يرحمني أحد» من إصدار دار «ذات السلاسل» التي تكفلت بإطلاق أعمالها في السنوات الأخيرة، والكتاب من القطع الصغير ومن 171 صفحة طبعة 2017، وحقّق انتشاراً واسعاً، ووصلت طبعاته حتى تاريخه إلى الطبعة العاشرة. ونعود لنكشف سر نجاح علياء الكاظمي روائياً بين القراء، فهي سلكت طريقاً يُلامس الواقع بشفافية وبأسلوب واضح، إذ تنقل في بعض رواياتها قصصاً حقيقية للمتلقي بأسلوبها الخاص، وبهذا يعيش قارئها، ومعظمه من النساء، مع الواقع، وهنا تجد هذه القارئة أو تلك صورتها.تتضمن روايتها «ولم يرحمني أحد» 25 فصلاً، يدور مُجملها حول محور بطلة العمل «بدور» التي تجد نفسها ضحية زواج مُبكر، لتعيش في عالم زواج يتعثّر وآخر يتعثّر أيضاً، وأخيراً تجد نفسها في مساحات من الألم والمعاناة وحظ يتكسر، ومحاولة لإنعاش نفسها أخيراً.عبر السطور، يعيش المُتلقي في ملامح أيام وأمكنة من نبض الواقع، ولا يهرب بعيداً عن صفحات الكتاب إلى أن يلفظ الإصدار أنفاسه الأخيرة. مؤكد أن أكثر القراء قد يكونون ملوا الأعمال التي تضعهم في مشكلة مع الفهم والاستيعاب من السطور الأولى. لذا قد يتركون الكتاب جانباً، ويغادرون سطوره لينتقلوا إلى كتاب آخر، لذا ثمة قراء يبحثون عن أعمال تجسد واقعهم المعاش، ربما تكون بين السطور رسالة ما تشكِّل مخرجاً لحياتهم.الكتابة بصدق
كتبت علياء الكاظمي بصدق في بداية روايتها لقرائها: «أحبتي إنه إصدار خاص... مأخوذ عن قصة حقيقية لإحدى قارئاتي، أثارت القصة الحماسة لدي لأكتبها لكم في وقت غير متوقع. أحب القصص الحقيقية بشكل خاص، لأنني أتفاعل مع أصحابها وأشعر بمعاناتهم، لقد قربتني الكتابة من الناس فصرت أكثر أحساساً بالآخرين، وأكثر تفهماً لمشاعرهم ونبضات قلوبهم. علمتني الحياة أننا نفتقر إلى أمرين وفيهما الحلول لكل معاناتنا، أنهما الرحمة والحب».كتبت الأديبة خولة القزويني عن نهج علياء الروائي التالي: «الرواية لدى علياء ذات نمط كلاسيكي يضرب على وتر المشاعر والعواطف، وقد تذكرنا بروايات إحسان عبد القدوس والنفس الأنثوي في سرد التفاصيل الدقيقة لعالم المرأة، وأسلوبها ينساب سلساً عذباً مع نسق الأحداث ببساطة، تجعلك مُمغنطاً بجاذبية السرد التلقائي البعيد عن التكلف والافتعال، ما يجعل رواياتها مقروءة من جميع الفئات العُمرية، خصوصاً الإناث، لأن أعمالها مُفعمة بزخم عاطفي يدغدغ المشاعر ويستثير الوجدان».وفي نهاية «ولم يرحمني أحد»، نجد تلك الصحوة المتأخرة لبطلة الرواية بدور وهي تقول: «تعلمت أخيراً أن أحب نفسي. لا أحد يستحق أن نضحي بسعادتنا من أجله، لا تبحثوا عن الحب بين ضلوع الآخرين بل ابحثوا عنه بين جنباتكم فهو موجود في داخلكم، أنتم لا في داخل شخص آخر».
المُتلقي يعيش في ملامح أيام وأمكنة من نبض الواقع