من الصعب رؤية كيف يعزز إعلان ترامب القدس عاصمة لإسرائيل مسيرة السلام، إلا أنه يحقق هدفاً واحداً: توطيد علاقة الحب بين ترامب وحكومة إسرائيل ومجتمعها الاستراتيجي بخلاف سلفه، علماً أنني سمعت وجهة النظر هذه بحماسة مراراً خلال زيارتي الأخيرة إلى هذا البلد. قد يبدو هذا إيجابياً، لكنني أخشى أنه يكشف التحدي العميق الذي تشمله العلاقة الأميركية-الإسرائيلية.

هل يؤرجح ترامب كرة حديد قد تدمر دعم الحزبَين لإسرائيل؟

Ad

على غرار كل ما يتعلق بالشرق الأوسط، ترتبط هذه المسألة بالماضي. عندما تسمع النخب والمسؤولين الإسرائيليين يصفون المسائل، تخال أن عهد أوباما شكّل كارثة كبيرة انسحبت خلالها الولايات المتحدة من المنطقة، وتقرّبت من إيران، وتخلت عن أصدقائها في العالم العربي، وأعربت عن ضعف وعجز. لا شك أن سنوات أوباما، من الربيع العربي إلى الصفقة النووية الإيرانية، اتسمت بخلافات عميقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وأن هذه الخلافات تفاقمت بسبب قائدين لم يحب أحدهما الآخر أو يثق به.

لكن المسائل لم تصل إلى حد المأساة بأعلى مستوياتها، فقد شهد عهد أوباما تعاوناً غير مسبوق، وخصوصاً على الصعيدَين العسكري والاستخباراتي، وتُعتبر لائحة الإنجازات مذهلة: التعاون في مسألة القبة الحديدية، وتزويد إسرائيل بأفضل الأسلحة، منها طائرات إف-35 الحربية، وعقد اتفاق عام 2016 الذي قضى بتزويد واشنطن إسرائيل بمساعدات أمنية بقيمة 38 مليار دولار على مدى العقد التالي، علماً أن هذا أكبر تعهد على الإطلاق في مجال المساعدات العسكرية الأميركية. حتى نتيجة "الخط الأحمر" الشهير، الذي يعتبره كثيرون إخفاق أوباما الأبرز، جعل إسرائيل أكثر أماناً، فقد مثّل تأمين أسلحة سورية الكيماوية خطراً وجودياً هدد إسرائيل ولم تملك حلاً عسكرياً له.

يميل ترامب إلى وصف كل ما ورثه بالمعمعة، ولكن في حالة إسرائيل، حصل على علاقة بدت أسسها جيدة نسبياً. إذاً، لمَ يعرب قادة إسرائيليون كثر عن عشقهم لترامب؟ يحبون قرع طبول الحرب مع إيران والتهديد بالانسحاب من الصفقة النووية، مع أننا لا نرى بوضوح ما قد تكون الخطوات التالية. راقهم أيضاً انسحاب الولايات المتحدة من اليونسكو وموقفها المتشدد في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الذي يُعتبر تحيّزه ضد إسرائيل مشيناً. ولا شك في أنهم أحبوا إعلان القدس قبل أيام.

تكمن المشكلة في رأيي في أن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل يحمل الكثير من المخاطر من دون أن يحقق أي إنجازات، حتى وفق معايير ترامب، الذي يعتبر نفسه عبقري تفاوض، لا نرى بوضوح كيف يمكن لهذا أن يقرّبه من الصفقة الكبرى التي يدّعي أنه يسعى إليها.

ولكن ثمة ثمن كبير قد يُدفع، ثمن يجب أن يقلق كل مَن يؤمن حقاً بأهمية الحفاظ على علاقة أميركية-إسرائيلية قوية. تؤيد القيادة الإسرائيلية الحالية ترامب بالكامل، ولم تتردد في إغداق الثناء عليه من اليوم الأول، إلا أن مزاجها المرح هذا في التعاطي مع ترامب يبدو مناقضاً تماماً للإحساس بالقلق واليأس الذي أعرب عنه كل الحلفاء الديمقراطيين الآخرين تقريباً.

تنبع قوة العلاقة الأميركية-الإسرائيلية من أسسها المتينة المرتكزة على الحزبين، ولكن ثمة إشارات إلى أن هذه الأسس بدأت تتشقق، على غرار سائر المسائل، ظهرت هذه المشكلة في عهد أوباما (كان الحدث المزلزل الأكبر خطاب نتنياهو في الكونغرس ضد الصفقة الإيرانية)، إلا أنها تزداد سوءاً.

يكمن الخطر في أن "دعم إسرائيل" تحوّل إلى صفة تقتصر على جمهوريي ترامب، إلا أن إسرائيل لن تجني الفوائد من علاقة تقوم على حزب واحد، ومن غير الحكمة أن يعزز القادة الإسرائيليون هذا الميل، حتى لو كانوا يقومون بذلك عن غير قصد. لنفكر في الجيل التالي من القادة السياسيين الديمقراطيين، الذين سيتذكرون خصوصاً مرارة عهد أوباما وسيعارضون كل ما يمثله ترامب، وكيف سينظرون إلى مراهنة الحكومة الإسرائيلية الكبرى على ترامب؟

أفهم لمَ يحب إسرائيليون كثر سياسات ترامب بشأن إيران، والأمم المتحدة، والقدس، مع أنني أؤيد بعضها، ولكن هل يشعرون بالسعادة حيال التسامح الظاهري مع القومية البيضاء، وخصوصاً أنها معادية للسامية؟ أو حيال الاعتداء على الصحافة الحرة وحكم القانون؟ علاوة على ذلك، إذا كانت علاقة إسرائيل مع الولايات المتحدة أحد أهم أصول إسرائيل الاستراتيجية (مما يعني أن بقاء الولايات المتحدة قوية بالغ الأهمية لبقاء إسرائيل قوية)، فلن تكون أفضل حالاً مع حليف أميركي متشائم، ومعزول، وضعيف على المسرح العالمي.

نسمع غالباً أن ترامب يفسد كل ما يلمسه (وفي غضون أقل من سنة في منصبه، خلف وراءه الكثير من الحطام في مجالات السياسة، والمبادئ، والموظفين)، ولكن لا يسعنا إلا أن نأمل ألا نقول بعد سنوات من اليوم إن الأمر عينه ينطبق على ما قام به في العلاقة الأميركية-الإسرائيلية.

* ديرك تشوليه

* «فورين بوليسي»