ظاهر الإثنية العرقية والدينية في الوطن العربي
يعيش العالم العربي في حاضره عدة أزمات في مقدمتها أزمة الصراع الإثني العرقي والديني، وهناك قوى داخلية وخارجية متربصة بدوله لاستغلال ذلك الصراع لأن مصالحها السياسية والاقتصادية تتطلب ذلك.
لقد شكلت الإثنية العرقية والدينية مكونات حيوية للهوية في مرحلة ما قبل الدولة الحديثة، ولكن المشكلة أن هذه الظاهرة تبعث من جديد في عصر الدولة الحديثة بعناوينها للوطن والحدود والقانون، وإن لظهور وبعث هذه الظاهرة، بدون شك، أسباباً سياسية واجتماعية واقتصادية، وتشكل عبئاً وإشكالية على أغلب الدول ومنها أغلب الدول العربية. بداية علينا أن نقر أن هناك أقليات في دولنا أساسها عنصري أو طائفي ديني، وهذا أمرٌ طبيعيٌ كمكونات تاريخية، فهناك مجموعات بشرية تختلف فيما بينها أو تختلف عن الأغلبية في الدين أو اللغة أو الثقافة أو العرق والسلالة. وفي التطور التاريخي ينبغي أن يكون ذلك الاختلاف طبيعياً، ويجب أن يوظف ويتم التعامل معه كواقع وكعامل إثراء وتفاعل للتجربة الإنسانية في تلك المجتمعات كأرضية للتعايش لا كخلاف وصراع، وإن الإثنينة العرقية والدينية تمثل أقليات وجماعات تختلف في انتماءاتها وتشعر بالظلم والتهميش من الأغلبية، وأنظمة الحكم انكفأت على نفسها لتقوية مقومات هويتها والمطالبة بحقوقها، ودخلت في صراع استغل من قوى عديدة داخلياً وخارجياً، وهذا التكوين الإثني المختلف له تاريخ طويل جعل تلك الأقليات تعبر عن هويتها وتراثها الثقافي الخاص، وفي المقابل فهمت الأغلبية ومن يمثلها في السلطة أن لها حق الاستحواذ السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ومصادرة حق الإثنيات وقمعها وتهميشها؛ مما أدى إلى عودة تلك الأقليات إلى هويتها وبعثها، وتحولت المسألة من أقليات اجتماعية إلى حقوق سياسية واقتصادية.
ولما تطورت المجتمعات بالتعليم والنهضة الحديثة ومسألة الحريات وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية كان من بين القوى المنادية بذلك الأقليات التي شعرت بالتهميش زمناً طويلاً، فانتفضت على واقعها، خصوصا مع توافر الوعي بهويتها وحقوقها لدى نخبها المثقفة والسياسية، ودخلنا في عصر جديد من الصراع كنا نعتقد أنه انتهى منذ زمن بعيد. إن بعث قضايا وإشكاليات الماضي في الحاضر يعني أننا نجتر الماضي وليس لدينا ما نقدمه لحاضرنا ومستقبل أجيالنا، ويعني أن تفكيرنا ماضوي، وذلك يعنى أننا لا نفكر بالمستقبل منطلقين من الحاضر، فتجارب التاريخ مهمة لكن الخطر أن نكون أسرى فكر الماضي وتجاربه. أسباب الأزمة الإثنية في الوطن العربييعيش العالم العربي في حاضره عدة أزمات في مقدمتها أزمة الصراع الإثني العرقي والديني، وهناك قوى داخلية وخارجية متربصة بهذه الدول لاستغلال ذلك الصراع لأن مصالحها السياسية والاقتصادية تتطلب ذلك. وفي مقدمة تلك الأسباب السبب السياسي، فالدولة المركزية قد بنيت أركانها واستمراريتها على حكم الأغلبية أو السيطرة على السلطة بالقوة حتى إن لم تكن تمثل الأغلبية، فالنظرة والعقل بتحول السلطة إلى تسلط كان خطأ، حيث إن مجموع الأقليات العرقية والدينية يمكن أن تشكل أغلبية، هذا أولاً. وثانيا فنحن في عصر حقوق الإنسان والديمقراطية والدساتير التي تتعامل مع المواطنين وحقوقهم ليس على أساس الدين أو العرق. وثالثاً فإن الوعي والتعليم والثقافة يفترض أنهما تطورا في بلداننا بحيث أزيلت معوقات الاندماج الاجتماعي، وعكس ذلك فإن بروز ظاهرة الإثنية وصراعها في عصرنا قد جاء بعكس التطور، وكأن الوعي والتعليم والثقافة والنهضة قد أيقظت نوازع الاختلاف وغذته ليتطور إلى صراع إثني سواء مع الأقليات الأخرى أو مع الأغلبية، وهو بدون شك أخطر أنواع الصراعات. وتدخل العوامل الأخرى لذلك الاختلاف وتلك الأزمة لتغذيها، وتعمل على استمرارها مثل العوامل الاقتصادية والسياسية الداخلية والخارجية، ثم لم نسأل أنفسنا سؤالاً محدداً وواضحاً: لماذا تقف إسرائيل وقوى غربية معادية لنا مع الصراع الإثني تحت مبررات حقوق الإنسان والمساواة طوال هذا الزمن من الظلم والقهر والتهميش الذي أصاب تلك الأقليات؟ المشكلة أن الإثنية في حد ذاتها ليست مشكلة، لكن إثارة اختلافها ومحاولة الأقليات إثبات هويتها أصبح يشكل تهديداً للاستقرار السياسي للعديد من دولنا وشعوبنا. ويعتبر البعض أن إثارة المشكلات الإثنية على أساس العرق والدين ردة ثقافية، ويعيد للأذهان أن بعض فترات الماضي كانت أفضل من الحاضر! هذا صحيح فليس كل الماضي سيئاً، وليس كل الحاضر جيداً، ولكن الشعوب يجب أن تتطور وتتقدم وبخاصة إذا كانت لديها الإمكانات، لكن المشكلة تكمن في عدم وجود الإرادة والإدارة السليمة، وهذا رهان الحاضر والمستقبل. إن المشكلة تكمن في أن مفهوم الإثنية ووجود الأقليات العرقية والطائفية واختلافها خطأ في وعينا الاجتماعي والسياسي، حيث تعتقد الأقلية أن حقوقها وإزالة الظلم عنها يكونان عن طريق ثورتها على الواقع! وتعتقد الأغلبية وحتى السلطة المركزية أن حقها يكمن في قمع الأقلية والاستمرار في نهجها! لكن مسألة التعايش بين الأقليات وبينها وبين الأغلبية يكون بالمساواة وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، وهذه مسؤولية السلطة في الدولة المدنية بدستورها وقوانينها، والتطبيق على أرض الواقع بدون تمييز أو إقصاء للآخر. وفي هذه الحالة الجميع يكسب الأقليات والأغلبية والسلطة، والإصرار على السير في الطريق الخطأ يفسّر شيئاً أساسياً نعيشه هو التخلف، من هنا لا نكون متخلفين فحسب ولكن أيضاً لدينا القدرة على صناعة التخلف، واستمراره في عصر التقدم.إن الشيء المهم الذي يجب أن ندركه وفي أسرع وقت هو أن الصراع الإثني أخطر أنواع الصراعات وأمده طويل، وعلينا أن نفكر بالبديل عن الصراع، وهناك تجارب لشعوب تجاوزت ذلك الصراع، وتعيش تطوراً حضارياً، وشعوبنا العربية ليست أقل منها تراثاً وتجارب ووعياً، وإن استمرار الصراع يعني أن هناك أسباباً لتخلفنا لم نكتشفها حتى الآن، وقد يكون اكتشافها وقفاً لنزيف هذا الصراع، ووضع حد لمرحلة التخلف التي طالت لنضع أقدامنا على طريق النهضة والتقدم. متى تكون الإثنية ظاهرة إيجابية؟إذا اقتنعنا أن كل المجتمعات تعيش بحالة الإثنية في مراحل من تاريخها فذلك يعنى أن الإثنية في المجتمعات المتطورة ظاهرة إيجابية، فعندما نهضت تلك الشعوب وساد الحوار تعدديتها أصبحت الإثنية فيها أحد مكوناتها، وهي أحد مقوماتها، ويمكن وصف هذه الشعوب بالمتقدمة، أما عكس ذلك فالصراع الإثني وأخطرها الطائفي والعنصري هو من سيسود، وذلك يعنى أن هذه الحالة الأخيرة تخلف سيطول أمده. والعوامل التي تغذي ذلك الصراع طائفية دينية أو عنصرية عرقية، قد عاشت بعض شعوبنا العربية هذه الحالة، وأن الخروج منها صعب ومعقد، ويشكل ذلك تحدياً، وبعضها يترك آثاراً تتطلب تضحيات كبيرة أمام الحداثة في تلك الشعوب.إن الخلاف الإثني يصبح مع الوقت مركباً ومضاعفاً، ولو خرج أولئك الذين أشعلوا تلك الإثنية من قبورهم لاستغربوا مما يحصل في الواقع ولتخلوا عما أثاروا، لكن ذلك بعد فوات الأوان، إذاً المسألة ليست بإثارة ذلك السؤال عن إيجابيات وسلبيات الإثنية، فالإثنية نفسها طبيعية وليست هي المشكلة، إنما المشكلة في الخلاف والصراع بين قواها والآثار الناجمة عن ذلك الخلاف والصراع، وكيفية مواجهتها؟ تلك الآثار لها بعدها الاجتماعي والسياسي، فعلى المستوى الاجتماعي ينمو الخلاف بين فئات المجتمع وطبقاته وتتدخل عوامل عديدة في تغذية ذلك الخلاف، ويدخل التخلف عاملاً بترسيخ العادات والتقاليد بقيمها السلبية، ويسود التقليد على حساب التجديد، ويصبح للحالة الاجتماعية انعكاسات سياسية، وكثير من الصراعات السياسية لها بعدها الاجتماعي، حتى أصبحت بعض أحزابنا السياسية العربية طائفية وعنصرية. وإذا نظرنا إلى الجانب الثقافي فلكل جماعة أو طائفة في المجتمع ثقافة خاصة بها، لا سيما عندما لا تكون الثقافة العامة قادرة على استيعاب الثقافات الإثنية، وتنتعش عندما يتراجع الحوار بين الإثنيات، وتغيب حرية الحوار، ويتحمل المثقفون الحقيقيون في المجتمع مسؤولية مضاعفة لمواجهة ذلك التحدي.