أقيم مساء أمس الأول في مركز جابر الأحمد الثقافي، أمسية للروائي والشاعر عبدالله البصيص، بعنوان "بالشعر أرى، بالرواية أكتب"، قدم فيها شهادته الإبداعية، وأدارتها الروائية بثينة العيسى. وقد حضر الأمسية جمع من الأدباء والمثقفين.

وفي تقديم البصيص قالت العيسى: "ثمة قصيدة في بطن كل حكاية، ما يفتننا في الحكاية، على الأرجح، هو القصيدة التي يدوي داخلها العالم كله، تنهل من اللغة فيبدأ نصك في اتخاذ شكله الخاص، وتبدأ بالتعرف على التصنيفات، رواية، قصيدة، قصة، أغنية، مسرحية، سيناريو، تكتب أولا، ثم تكتشف هويتك الكتابية.

Ad

من جانبه، بدأ البصيص بالحديث قائلا إنه في غالبِ لقاءاته الصحافية يأتيه سؤال يقول: "لماذا توجَّهتَ من الشِّعر إلى الرواية"، وكانت إجابته "عادة بأن الشعر والرواية يشتركانِ في مهمة التعبير عما بداخل النفس، وفي الحقيقة لم يكن الجواب مقنعا لدي، لذلك قرّرْتُ ذاتَ مرّةٍ، كنتُ جالساً فيها في مكتبتي، أنْ أعرفَ السِّرَّ في وردةِ فان جوخ"، لافتا أنه "لطالما كانتْ علاقته بالشِّعرِ قويّةً ولها جذورٌ ضاربةٌ في الذّات"، واستطرد قائلا "ولا أعلمُ لماذا الشِّعرُ تحديداً يتملَّكُني لهذا الحدِّ من العلاقةِ الوثيقةِ في جاذبيّتِه، ولا كيف يعملُ على مدِّ جذورِه، وكان هذا قبلَ أنْ أكتبَ الرواية، وقبلَ أنْ أكتبَالقصيدة".

وعما هو الشعر بالنسبة إليه يقول البصيص "الشّعر هو كيفَ نظرْتُ إلى المدرسِ، وكيف رأيت السحاب إسفنجة، الشعر هو كيف أنظر إلى الكتب الآن الشعر هو الوردة التي يرسم بها فان جوخ نفسَه".

بالون ودبابيس

واستطرد البصيص في حديثه، وقال: "إذا كانَ الشعر رؤية، فالقصيدة صورة، الرواية هي حركة هذهِ الصورة، بمعنى: إذا رأيت أن المدرس بالونا وشيطنةُ الأولادِ دبابيس، فالرواية هي مشهدُ انفجارِ البالون، وهي التجسيد الحي ليدٍ تعصِر إسفنجة السحابة، وهي سلسلة من التفاعلات التي تحدث في ركض حصانٍ مصِر على استباق الضوء.

وأشار إلى أنه "رغم أن الشعر في استخداماته الأولى "كتابياً" كان سردا للأساطير الإغريقية، كما جاءتِ الإلياذة والأوديسة وحتى مسرحيات الرومانيين. ولما كتب أرسطو كتابه الشهير "فن الشعر" كانَ يتحدَّثُ فيهِ عن الرِّوايةِ لا عن القصيدةِ، ففكرةُ أنْ نفصِلَ بينَ الشعر والسَّردِ ليست منطقيةً في وُجهةِ نظري، لأن الشعرَ هو المادّةُ الخام التي تتكوَّنُ منها الأجناس الأدبية كافة، بل هو سرُّالجاذبيّةِ الأدب".

وعن سبب توجهه من القصيدة إلى الرواية يقول البصيص: "لأن رؤيتي لزمانِ الأشياءِ ومكانِها اتّسعَتْ، وأريدُ مساحة أوسع من القصيدة، مساحة تستطيع احتمال ثقَلِ المكانِ وطولِ الزمان، لأبحثَ بها عن كيفيّةِ عملِ تلكَ الأشياء، لا أعلم مساحةً في هذا أوسعَ منَ الرواية؛ مساحة يمكِنُ لحصانِ المخيلةِ أن يعدوَ بها خلف الضوءِ دونَ أن تقيده حدودُ مضمارٍ أو خطُّ نهاية. فالروايةُ في اعتقادي جنس أدبي متفوِّق في عدةِ جوانب، منها عمق التحليل، وإثارة التعاطف، وخلق الحيرة، وسهولة تأجيج اللغة".

«طعم الذئب»

وتابع البصيص: "عندما كتبت (طعم الذئب)، كانت للصحراء في عيني رؤية تحتاج إلى تجسيد لغوي يناسب صلافتها وتألقها وجاذبية التيه فيها، من هنا أتت اللغة الوصفية شعرية، دون تفريط في نقل حركة الصور، ودون إفراط يوقف انسياب إيقاعها".

وبيَّن أنه في "ذكريات ضالة"، أولى اهتماما كبيرا بالعاطفة، وقال: "عندما عرف سلمان الحب في جهله بالحب، ووصفه بأنه شيء دافئ يتسرب إلى دمائه وحسب، كانت الرؤية هنا في طريقة تحريك العاطفة للدوافع التي يجمدها الحياء، والخوف الذي يأتي من الجهل بالشيء، وهذا البوح كله لا تحتمله قصيدة، مهما كان طول مضمارها، ولا تتيحه إلا أرض فضاء يمكن لحصان الشعر أن يركض بها دون حد يسابق الضوء".