تقرير سياسي : قرارات المجلس غير المدروسة... سبب التأزيم بين السلطتين
ما أثاره النائب عبدالله الرومي، في جلسة أمس، عن مخالفة التوصية بتشكيل لجنة حكومية - نيابية مشتركة لإعداد مشروع للمصالحة الوطنية للائحة مجلس الأمة والدستور، واعتراف السلطتين بهذا الخطأ وإلغاء تلك التوصية، يفتح باباً واسعاً للنظر في التوصيات السابقة التي أقرها المجلس في جلسة الأسبوع الماضي على الأقل، كما من شأنه تسليط الضوء على العديد من القرارات الصادرة بشأن لجان التحقيق البرلمانية وتقاريرها، ومدى دستورية جميع تلك القرارات.ولأن التوصيات غير ملزمة للحكومة أو المجلس، فإن التعامل معها لا يأخد منحى جدياً في صياغة الفكرة أو الهدف والمتابعة، فالأصل في إقرارها هو نزع فتيل أزمة أو التوصل إلى تسوية لذر الرماد في الأعين؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر، ينتهي أغلب الاستجوابات إلى توصيات بدراسة المحاور، إلا أن أياً من تلك التوصيات لم ينتهِ إلى تكليف بإعداد تقارير تعرض أمام مجلس الأمة لمناقشتها، ويحاسب على ضوئها وزير أو مسؤول.أما لجان التحقيق وتقاريرها، فغالباً ما تكون مسيسة وغير محايدة، ويتعمد النواب إطالة عمرها لابتزاز الحكومة أو الوزير المعني، لذا فإن معظم لجان التحقيق تنتهي مع حل مجلس الأمة أو انتهاء فترته الدستورية دون أن تصدر تقارير نهائية يناقشها المجلس أو يحاسب على ضوئها أي قيادي.
وإلى جانب التوصية الملغاة، أقر المجلس عدة توصيات ذات عناوين تبدو مثيرة لمن لا يتابع الوضع السياسي في الكويت، إذ دعت أولاها السلطتين التشريعية والتنفيذية إلى إقرار تشريع خاص بإنشاء جهاز متخصص لإدارة الأزمات والكوارث، أسوة بما قامت به دول عديدة، في حين دعت توصية أخرى الحكومة إلى تقديم تقرير سنوي عن استعدادات الدولة لمواجهة الأخطار والأزمات عبر مؤسساتها المختلفة، في مختلف مجالات الصحة، والتغذية، والدفاع المدني، والأمن الوطني وغيرها.ولم تغفل التوصيات، في هذا الصدد، أن تدعو مجلس الأمة إلى «تشكيل لجنة مؤقتة لإعداد تقرير بشأن مدى جاهزية أجهزة الدولة ومؤسساتها لمواجهة الأخطار والأزمات».وبالنظر إلى تلك التوصيات، يمكن القول إن الجلسة التي خصصت لمناقشة التحديات الأمنية التي تواجهها الدولة في ظل الظروف الإقليمية الأخيرة، حاولت الخروج بأي مكسب لمقدمي الطلب، وإن استدعى ذلك ازدواجية التشريعات وبدون مراجعة ما هو قائم منها، وهو أمر أصبح شائعاً مؤخراً في أعمال السلطتين. فوفقاً للتوصية الأولى، فإن القانون الخاص بجهاز إدارة الأزمات، يتطابق في أهدافه مع مرسوم إنشاء جهاز مجلس الأمن الوطني رقم ٣٢ لسنة ١٩٩٧ الذي يترأسه رئيس الوزراء ويضم في عضويته وزراء الدفاع والخارجية والمالية والإعلام وجهاز الحرس الوطني، وينص هذا المرسوم على أن مهام ذلك المجلس «العمل على ضمان سلامة وأمن الوطن، ووضع الاستراتيجيات والبرامج لتحقيق هذا الغرض والإشراف على توفير المعلومات والبيانات وإعداد الدراسات والبحوث اللازمة في هذا الشأن مع الجهات المعنية».أي أن هناك، في موازاة ذلك الجهاز المفترض تأسيسه وتكليفه تلك المهام، بحسب التوصية البرلمانية، جهازاً آخر قائماً بالفعل مشابهاً تماماً ويؤدي نفس الغرض والأهداف، بل إنه يعتبر، بحسب تشكيلته، مجلس وزراء مصغراً، وخلق جهاز جديد يحمل الطابع ذاته يؤدي أولاً إلى ازدواجية الأعمال وتضاربها، وزيادة العبء المالي على الدولة التي تسعى - بحسب خططها التنموية - إلى ترشيد التكاليف ودمج الهيئات المتشابهة في الأعمال.أما على الصعيد البرلماني، فإن التوصية بتشكيل لجنة جديدة للأزمات والأخطار، تسلب لجنة الداخلية والدفاع البرلمانية مهامها المتعلقة بمناقشة القضايا الأمنية والأزمات، وكان الأقرب تكليف اللجنة القائمة بالفعل متابعةَ الأحداث الأمنية الإقليمية أو المحلية، لاسيما أن لديها قنوات مفتوحة مع وزارتي الدفاع والداخلية، ولها صلاحية استدعاء الجهات الحكومية الأخرى ذات الصلة. فهل يكون مصير تلك التوصيات مشابهاً لتوصية اللجنة الحكومية البرلمانية المشتركة لمشروع المصالحة؟هناك مسؤولية تتحملها الحكومة في التعامل مع التوصيات التي يقدمها النواب حتى لا تتحول إلى عبء سياسي عليها، فما هو غير منطقي من الطلبات يجب ألا يقر تحت ذريعة التعاون، فالتعاون يكون في الممكن تنفيذه وتطبيقه واستخلاص نتائج منه تخدم الدولة، أما المكرر أو غير المألوف فلن ينتج عنه سوى صداع للوزراء يضعهم تحت الضغط والابتزاز.لقد خلقت الحكومة الكثير من الأزمات لوزرائها بسبب سوء تقديرها للطلبات النيابية من توصيات ولجان تحقيق ووعود بقوانين فضلاً عن تنازلها عن حقها في الاعتراض، فما تعتبره مداً ليد التعاون غالباً ما يتحول ليقود وزراء إلى صعود المنصة، مع استخدام النتائج ضدها، سواء كانت سليمة أو غير محايدة.سلوك شراء الوقت مع النواب أثبت فشله في أكثر من حادثة واتفاق، ولعل آخرها كان تشكيل لجنة مشتركة بين رئيسي السلطتين في ملف إعادة الجناسي المسحوبة، إذ سعت الحكومة إلى مد عمر المجلس عبر المماطلة في نظر الملفات، إلا أن ذلك انتهى باستقالتها على خلفية استجواب حظي بدعم نيابي بسبب تأخر عودة الجناسي، وهو ما يعني أن الأحداث قابلة للتكرار في التوصيات ولجان التحقيق وغيرهما.ولأن العمل بين السلطتين، أساسه التعاون مع فصل السلطات، فإن على مجلس الأمة ورئاسته ولجانه أيضا مسؤولية مراجعة التوصيات ومناقشتها قبل إقرارها، وعلى النواب أن يكونوا على قدر كاف من الإدراك لما سيتم التصويت عليه، وعلى قدر وافر من المسؤولية لمتابعة التوصيات حتى لا تكون مجرد اقتراحات شكلية مسجلة في مضابط مجلس الأمة وقراراته.