كنت وما زلت أنتظر من أحد المحللين السياسيين أن يلتقط ما أعتقد أنه بات واضحا ولم يعد بالإمكان تجاهله أو إخفاؤه، وهو دخول أميركا التي نعرفها مرحلة السكون المؤقت وسيطرة إدارة الرئيس ترامب أو ترامب وحده لا فرق على ما يعرف بثوابت أميركا في الداخل والخارج، وهو ما يعني أن كل ما يتخذ من قرارات رغم خطورتها– ما عدا قرار الحرب- يمكن العودة عنه بعد استلام أي إدارة عاقلة الحكم بعد خروج ترامب من البيت الأبيض.لقد بدأ ترامب بقرارات تفريغ أميركا التي نعرفها من محتواها بحجة الحفاظ على الأمن ووظائف الأميركيين واستعادة الثقل الذي أضاعه سلفه أوباما بتردده وقلة حيلته، فتعامل مع الجارة المكسيك كأنها خادمة مطيعة لجميع رغباته الجامحة، وأغلق سماء أميركا وأطلق العشرات من العبارات المثيرة ضد المسلمين والأقليات، ويسارع للتغريد المدمر قبل التفكير ومنح مؤسسات صنع القرار تكييف القرار الأنسب، وبيته الإداري يتصدع بصورة مستمرة وغير مسبوقة في تاريخ أسلافه الرؤساء، ومارس الوقاحة مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومنظمة اليونسكو بمنطق أن من يدفع أكثر يحق له "فعل" ما يشاء، ولعل التهديد الصريح بقطع المساعدات، وردّ الضربة لمن يصوت ضد أميركا في قضية القدس أكثر مثال ناصع على مقولتي بأن إدارة ترامب أخذت مكان أميركا التي نعرفها. إن انحياز واشنطن للكيان الصهيوني أمر ليس بالجديد، وعندما توضع أميركا بين خيارين أحدهما الكيان الصهيوني فإنها ستختاره دون تردد، هذا الأمر معروف وموثق منذ الحملات الانتخابية لمرشحي الرئاسة الأميركية وطوال فترات من وصل منهم إلى سدة القيادة، فالإدارة الحالية أخرجت السياسة الخارجية الأميركية تجاه قضية القدس من منطقة الانحياز إلى مرحلة الشراكة والتلازم مع تل أبيب، وخير تجلياتها المسارعة للحديث نيابة عنها في المحافل الدولية، وكأن أميركا عاصمتها إسرائيل!! إن من يريد شيطنة أميركا سيراً على العادة القديمة في تحميلها كل مشاكل العرب حر فيما يعمل ويفكر، ولكن عذرا هذا الجنون أو العته الذي يسمى سياسة أميركية لا أعتقد أنه ينتمي إلى إرث وتراكمات أميركا التي نعرفها. وكل عام وأنتم بخير.
مقالات
الأغلبية الصامتة: «وين أميركا يا جماعة»؟
28-12-2017