نقطة ارتكاز جديدة للشرق الأوسط

نشر في 28-12-2017
آخر تحديث 28-12-2017 | 00:12
الترتيب الثنائي القومية من شأنه أن يفرض على إسرائيل معضلة البقاء إما دولة ديمقراطية أو دولة يهودية، وليس كلتيهما معا، فمع سحب حل الدولتين من فوق الطاولة يصبح الأمر مسألة وقت فقط قبل أن يطالب الفلسطينيون بحقوق مدنية متساوية.
 بروجيكت سنديكيت نحن نعيش في زمن يتسم بالتحولات الجيوسياسية، صحيح أن الجهود التي تبذلها الصين للحلول محل الولايات المتحدة بوصفها القوة الرائدة في العالَم، أو التحول إلى شريك في القيادة العالمية على الأقل، تتلقى قدرا كبيرا مستحقا من الاهتمام، ولكن الديناميكيات الكلية، التي اتسم بها الشرق الأوسط لفترة طويلة، تشهد هي أيضا تحولا ملموسا، وهنا أيضا من المرجح أن يتضاءل نفوذ الولايات المتحدة.

قبل ما يزيد على قرن من الزمن قَسَّم اتفاق سايكس بيكو الشرق الأوسط بين فرنسا وبريطانيا العظمى، وأسس حدودا وطنية ظلت قائمة إلى يومنا هذا، ولكن النظام الإقليمي يتغير الآن.

منذ تأسست دولة إسرائيل، ظل الصراع العربي الإسرائيلي مهيمنا إلى حد كبير على الساحة الجيوسياسية في المنطقة، وقد فازت إسرائيل بأول حرب عربية إسرائيلية في عام 1948، وكل الحروب التي تلتها، ولكن هل يتمكن الطرفان الإسرائيلي والفلسطيني من التوصل إلى تسوية مقبولة، فيحل السلام في الشرق الأوسط؟ تظل الإجابة عن هذا التساؤل من الشواغل الرئيسة في الشؤون الدولية.

كان الإسرائيليون والفلسطينيون أقرب إلى تحقيق السلام من أي وقت مضى خلال الفترة بين التوقيع على اتفاقية أوسلو الأولى في الثالث عشر من سبتمبر 1993 واغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إسحق رابين في الرابع من نوفمبر 1995، ولا ينبغي لنا أن ننسى أن وضع القدس في اتفاقيتي أوسلو الأولى في عام 1993 والثانية في عام 1995، تُرِك بلا حل. وكان من المتفق عليه في عموم الأمر أن مثل هذه القضايا الحساسة والمعقدة يجب أن تُعالَج في المرحلة النهائية من عملية السلام.

ثم فَقَد الصراع الإسرائيلي الفلسطيني أهميته المركزية في المنطقة بعد غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة في عام 2003، ومع اندلاع ثورات الربيع العربي في أواخر عام 2010، فقد قدر أكبر من أهميته، وبعد عام 2011 هيمنت الحرب الأهلية السورية وظهور تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على السرد الإقليمي، ولكن الآن بعد أن نجح تحالف دولي في حرمان "داعش" من "خلافته" في سورية والعراق، تقدم الصراع بين إيران والمملكة العربية السعودية لفرض الهيمنة الإقليمية إلى الصدارة.

حتى الآن كانت المواجهات بين إيران والمملكة العربية السعودية تعتمد في الأساس على حروب الوكالة في سورية واليمن، ولكن الدعم الذي يقدمه كل من البلدين للفصائل المتنافسة في لبنان، جنبا إلى جنب مع النزاع الدبلوماسي الجاري بين قطر والمملكة العربية السعودية، يشكل أيضا جزءا من الصراع الأكبر الدائر بين الطرفين.

وعلى هذه الخلفية، بدا الأمر وكأن منزلة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني المستعصي على الحل خُفِّضَت إلى مستوى النزاع الهامشي، وظل الوضع على هذه الحال إلى أن قررت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب من جانب واحد هذا الشهر الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.

يقع مقر الحكومة الإسرائيلية والكنيست (البرلمان) في القدس الغربية، وتقوم شخصيات أجنبية بارزة بزيارات رسمية إلى هناك بشكل روتيني، ولكن ضم إسرائيل للقدس الشرقية من جانب واحد بعد حرب الأيام الستة في عام 1967 لم يُعتَرَف به دوليا قَط، وأبقت الدول الأخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة، على سفاراتها في تل أبيب، لأن الجميع يعلمون أن وضع القدس قضية سياسية ودينية مشحونة ومحفوفة بالمخاطر.

وعلاوة على ذلك تدرك كل الدول الأخرى أن ترجيح كفة واحدة على حساب الأخرى في ما يتصل بمسألة القدس من شأنه أن يلحق الضرر باحتمالات التوصل إلى حل الدولتين في نهاية المطاف- وهو الحل الذي يرجع منشأه إلى خطة الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين في عام 1947- لأن كلا الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني يزعم أن المدينة عاصمة له.

في عام 1947 لم يكن حل الدولتين قابلا للتطبيق، لأن الدول العربية استجابت لتأسيس إسرائيل بشن حرب ضدها، وعندما اعترف الفلسطينيون أخيرا بوجود إسرائيل في عام 1993، اعتُبِر ذلك القرار في حد ذاته خطوة كبيرة إلى الأمام.

ورغم أن الدبلوماسيين ما زالوا يتحدثون عن عملية السلام في الشرق الأوسط، فلم تشهد المنطقة لسنوات عديدة أي عملية لتحقيق السلام، ويظل حل الدولتين الخيار الوحيد الذي يمكن تصوره لإرضاء الجانبين، ولكنه يفقد قدرا متزايدا من المصداقية بمرور الوقت، في ظل التوسع المستمر في بناء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، والآن ربما يعني اعتراف أميركا بالقدس عاصمة لإسرائيل نهاية حل الدولتين إلى الأبد.

بيد أن البديل، وهو الترتيب الثنائي القومية، من شأنه أن يفرض على إسرائيل معضلة البقاء إما دولة ديمقراطية أو دولة يهودية، ولكن ليس كلتيهما، فمع سحب حل الدولتين من فوق الطاولة يصبح الأمر مسألة وقت فقط قبل أن يطالب الفلسطينيون، بعد التخلي عن النضال من أجل إقامة دولة خاصة بهم، بحقوق مدنية متساوية.

ويظل لدينا من الناحية النظرية على الأقل، خيار ثالث: فربما يمكن إنشاء دولة فلسطينية في غزة تمتد إلى شمال سيناء، على أن يتم وضعها تحت سيطرة مِصر فعليا، في حين يمكن تقسيم الضفة الغربية بين إسرائيل والأردن، لكن الفلسطينيين لن يقبلوا أبدا بهذه النتيجة، التي لن تحل أيضا مشكلة تحول إسرائيل إلى دولة ثنائية القومية.

لا يملك المرء إلا أن يتساءل لماذا قرر ترامب التحرك في ما يتصل بقضية القدس الآن، هل كان ذلك نتيجة لافتقاره المعتاد إلى العقلانية، أم أن الأمر برمته يرجع إلى السياسة الداخلية؟ أم أنه يفكر في حل إقليمي جديد يتجاوز المعايير التقليدية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني؟

من الجدير بالملاحظة أن مسعى ترامب الأحادي لم يجلب إلا استجابة معتدلة من القوى العربية الكبرى، المملكة العربية السعودية، ومِصر، والأردن، فالسعوديون يعتبرون التصدي لإيران أولوية قصوى، ولأن المملكة العربية السعودية قد لا تستطيع أن تكسب هذه المعركة بمفردها- وخصوصا في لبنان وسورية- فستواصل تعزيز علاقاتها مع غيرها من خصوم إيران.

* وزير خارجية ألمانيا ونائب مستشارها في الفترة من 1998 إلى 2005، وكان زعيما لحزب الخُضر الألماني لـ20 عاما تقريبا.

«بروجيكت سنديكيت، 2017» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top