أقام المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب أمسية موسيقية غنائية أحيت خلالها فرقة الطرب الأصيل، بقيادة المايسترو جمال الخلب، ذكرى الفنان الراحل عبدالحسين عبدالرضا، من خلال أوبريت «بساط الفقر» لمدة ساعة من العزف والغناء المتواصلين، بمعية الكورال، تحت إشراف د. صالح حمدان، وأمام حضور جماهيري كبير من الفنانين والمحبين لأعمال الراحل «أبوعدنان» غص بهم مسرح عبدالحسين عبدالرضا في السالمية.مضى الوقت سريعا، كحلم ليلة صيف، تدفقت الذكريات، محمَّلة بأجمل لحظات الماضي الجميل، لكل ممن حضر موقفا أو ذكرى منحوتة في القلب قبل العقل قد تخبو، لكنها ما إن تخترق ألحان وكلمات مثل هذه الأعمال الآذان، حتى تتوهج مجددا.
وانتقلت فرقة الطرب الأصيل برشاقة من «بساط الفقر» إلى «قاصد خير»، ثم «درب الزلق»، وأوبريت «بساط الفقر»، من تأليف الشاعر الراحل فائق عبدالجليل، وألحان سعيد البنا، وبطولة نخبة من نجوم العصر الذهبي: عبدالحسين عبدالرضا، سعاد عبدالله، إبراهيم الصلال، محمد جابر، حمد ناصر، سمير القلاف، وعرض للمرة الأولى عام 1979.
الخلب: 40 مشاركاً في الأمسية بين عازف ومطرب واستعراضي
قال جمال الخلب: «قدمنا اليوم اسكتشات الراحل عبدالحسين عبدالرضا، حيث دمجنا بين (بساط الفقر) و(قاصد خير) و(درب الزلق)، من خلال عزف الفرقة الموسيقية، وغناء الكورال. تخلل الغناء لوحات استعراضية تعبِّر عن المشاهد الأصيلة، ما بين العراقي والهندي والمصري، مع الحفاظ على الأزياء التي تعبِّر عن هوية كل لوحة استعراضية».وأشار إلى أن هذا الأوبريت المميَّز الذي جمع بين الراحل بوعدنان وسعاد عبدالله مطبوع في ذاكرة الجمهور. وأضاف: «هو عمل متكامل لا نملك إلا استحضاره مجددا بشكل جديد، مع الحفاظ على الثيمة الأساسية، لنقدم كلمة شكر لقامة من قامات الفن الكويتي، الذي طالما أسعدنا، وأدخل البهجة إلى قلوبنا».وكشف المايسترو أن التحضيرات للأوبريت استغرقت أسبوعين، لتدريب الكورال، وتوحيد الأصوات مع عزف الفرقة الموسيقية، وقال: «كما تابعتم ساعة من العزف والغناء المتواصلين، وأنتهز الفرصة لأشكر د. صالح حمدان، صاحب الفكرة، الذي كلفني تنفيذها، وبذلنا جهدا كبيرا أتمنى أن يكون قد نال رضا الحضور، في ظل مشاركة 40 شخصا، ما بين عازف ومطرب وراقص استعراضي».
وتدور قصة أوبريت «بساط الفقر» حول ثلاثة أشخاص يتقدمون لخطبة فتاة؛ أحدهم غني، والثاني جميل، والفقير الذي وافقت عليه، وهو لا يملك سوى «البساط»، فيسافران به إلى العراق ومصر ولبنان ثم الهند، التي يسرق فيها البساط، فلا يتمكن البطلان من العودة إلى ديارهما.وفي حفل مسرح عبدالحسين عبدالرضا كان المشهد مختلفا، كونها المرة الأولى التي يتم تحويل أوبريت قُدم بأصوات عدد من النجوم على هيئة ثنائيات إلى عمل جماعي يغنيه الكورال، بمعية الفرقة الموسيقية، لمدة ساعة متواصلة، دون فرصة لالتقاط الأنفاس.كان الأمر أقرب إلى رحلة ممتعة على وقع أنغام فرقة الطرب الأصيل، وبأصوات كورال مدرَّب ومتناغم، تحت إدارة المايسترو الخلب، الذي أجاد في توجيه الفرقة ومتابعتها.واكتملت لوحات الأوبريت، الذي جاء في حلة جديدة، معتمدا على أداء كورال الفرقة برقصات وأزياء جميلة، وفقا لمقطوعاته، إذ تنوَّعت ما بين المصرية والعراقية والهندية واللبنانية، في حين جاءت خلفيات المسرح معبِّرة، فتارة تعرض صورا للفنان الراحل، وتارة صورا للكويت.داود حسين: وجودي في أمسية تحمل اسم عبدالحسين واجب
أكد الفنان داود حسين، الذي حرص على التواجد في هذه الأمسية، أن "الفنان الراحل عبدالحسين عبدالرضا بالنسبة لي أخ وعراب ومعلم، من ثم فإن وجودي اليوم في أمسية تحمل اسمه واجب. لست اليوم كضيف أو متلقٍ، خصوصا أنني عشت هذه اللحظات الجميلة معه، لذلك اليوم أنا مضيف استقبل الحضور".
مرَّ الوقت سريعا، في ظل تفاعل كبير من الحضور، وابتسامات عرفت طريقها للوجوه، عندما يتذكر أحدهم أحد مشاهد الأوبريت الأصيل، وصيحات إعجاب من آخرين بأداء الكورال، وإطراء على أداء الفرقة الموسيقية، لاسيما عند الانتقال من لوحة إلى أخرى، من «بساط الفقر» إلى «قاصد خير»، ثم أخيرا لـ»درب الزلق» في رحلة طربية ممتعة.ولعل السؤال الذي يفرض نفسه؛ ما سبب اندثار مثل هذه الأعمال، بعد أن كان للأوبريت التلفزيوني حضوره المميَّز، حيث بقي في الأذهان لسنوات تتناقله الأجيال؟ ويبدو أن هذه المواد كانت تستمد جزءا كبيرا من قوتها وقدرتها على الوصول للجمهور من التلفزوين عندما كان متسيِّدا للمشهد الإعلامي، حيث حظيت أغلب المواد التي كانت تُبث عبر شاشته باهتمام كبير من المشاهدين، ما ساهم في ترسيخ وجودها، وتناقلتها أجيال بعد أجيال، لكن بمضي الوقت فقد التلفزوين بريقه، وظهرت العديد من الوسائل المنافسة له، وانتقلنا من عصر التفصيل والتدقيق إلى تكثيف المحتوى الفني والإعلامي.