تعاملت بآلية خاصة مع المنظر الطبيعي تجلّى أثرها في معرضك الأخير «سحر البرلس». ما هي أبعاد هذا التعامل؟
بحيرة البرلس فضاء ساحر ومدهش جذبني. كانت بالنسبة إليّ مفاجأة بصرية، ففكرت في ترجمة ذلك في عملي، وقررت اصطحاب «اسكتشاتي» وألواني وزيارة هذه البقعة الساحرة والرسم استعداداً لتقديم معرض عن البرلس. أردت أن أعايش المكان، وفعلاً كان وقتاً للاستمتاع والسياحة الذهنية والبصرية، إذا جاز التعبير. وشكّل ذلك حنيناً إلى بحيرة المنزلة التي تربيت عليها في الستينيات، إذ كانت تقع بالقرب من بيتي. فبحيرة البرلس تفاعلت في داخلي لأن لدي هماً شخصياً استدعى حنيني إلى بحيرة المنزلة. كانت المراكب تخرج إزاء البيوت، وهو أمر بالنسبة إلى الطفل مدهش، كذلك أن يرى الأسماك في المياه ويصطادها. كان التعداد السكاني آنذاك قليلاً، ولم تكن ظهرت بعد المباني الأسمنتية خارج المدن. عاصرت آخر ضوء جمالي في مصر قبل أن يخمد في السبعينيات.
بهجة خاصة
تميّز المعرض بتصدر الألوان المبهجة، فهل يعُزى ذلك إلى تفاؤلك بما ترسم؟انبثقت ألوان «سحر البرلس» من روحي. كنت ألوِّن بإحساسي ووضعت المشاهد في الخيال حيث أفضل رؤيتها. تعاملت مع اللوحات برؤية مخرج سينمائي وليس مصوراً. رسام المناظر ليس مطلوباً منه أن يقدِّم للمتلقي المشهد الذي يراه بشكل يومي وإلا حينها لن يكون أبدع شيئاً. لا بد من أن تكون له وجهة نظر، وهذا ما يدفعه إلى اختيار ما يقدمه من البحيرة الممتلئة بكثير من الإيقونات الفنية.يستحوذ المنظر الطبيعي على جانب كبير من تجربتك. ما السبب؟تدعو الطبيعة إلى التأمل والاتحاد معها، ويشكِّل الحضور فيها نوعاً من التفكير في إبداع الخالق، فيما يؤثر انصراف الإنسان عنها سلباً في بشريته. كلما ازدادت الطبيعة حياة ازدادت بشرية الناس، ما يفسر السلوك في المدن المزدحمة.اتسقت طبيعة الإنسان في بدايتها مع مساحات الخضرة والفضاء وزرقة السماء، وإذا لم نمنحه النسب المطلوبة من التغذية الصحية والنفسية يذبل، فالطبيعة مصدر غذائي إنساني، لذا تجد أن نسبة الاكتئاب تزداد في القاهرة لأنها تخلو من الحدائق. وأجد أن من الغريب أن نحث الناس على طرائق القراءة والتثقيف من دون البحث عن فضاء واسع ومتنزه لهم، فالإنسان الذي يعيش في مساحة متسعة تختلف حالته النفسية عمن يعيش في مساحة خضراء.لبنان بعيون مصرية
شاركت أخيراً في معرض جماعي بعنوان «لبنان بعيون مصرية». حدثنا عن هذه المشاركة.أقمت معارض جماعية عدة في اليمن وأوكرانيا وتونس ولبنان. شاركت مع محمد الطراوي والدكتور حسن عبد الفتاح والناقد الراحل أسامة عفيفي في معرض باليمن قبل سنوات، ثم تكررت التجربة في أوكرانيا حيث حضر سفيرها لدى اليمن فاقترح أن نقوم بالتجربة ذاتها في أوكرانيا، ثم نفذناها أيضاً في تونس بدعوة من المطرب لطفي بوشناق، وأقمنا المعرض في مقر منظمة اليونسكو. كذلك نفذنا الفكرة في الجزائر عندما كانت تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية، وكنت أحرص على أن يصاحبنا في رسم المدن ناقد حتى يوثق الحدث، فضلاً عن أنه يستفيد من الفنان خلال تشكيل العمل لفني.وفي الورشة الدولية الموازية لمؤتمر الفن والاقتصاد بجامعة المنيا التقيت الفنانة ريما رعد، نقيبة التشكيليين اللبنانيين، وعندما عادت إلى لبنان تواصلنا وطرحت عليها فكرة مشروع «لبنان بعيون مصرية»، فأجرت اتصالات مع رؤساء المدن الرئيسة في لبنان، صور وصيدا وبعلبك وطرابلس، وتعاونت البلديات معنا وأقمنا معرضاً افتتحه السفير المصري لدى لبنان بحضور رؤساء البلديات. عندما انتهى المعرض أهدت رئيسة الجمعية بعض الأعمال إلى رؤساء البلديات، من ثم صار للأعمال الفنية المصرية وجود في مدن لبنان، بالإضافة إلى أن فنانين لبنانيين شاركونا الرسم في الشارع وأعربوا عن سعادتهم في خوض التجربة.ما تقييمك لهذه المعارض؟أرى أن فكرة التعارف والاحتكاك بين الفنانين ذات أهمية كبيرة، إذ تؤكد ضرورة الفن والثقاقة ودورهما في العلاقات العربية. بعد معرض لبنان وبعد عودتنا إلى القاهرة، قرأت أن وزير الخارجية المصرية في زيارة لبنان يلتقي نظيره اللبناني، وكانت سعادتي غامرة لأن الفن كان الأسبق. يجب أن تسبق الثقافة السياسة على الأقل في العلاقات العربية العربية، وأن يضطلع الفنانون بدورهم. ما هي رؤيتك للمشهد التشكيلي الراهن لا سيما مع كثرة المعارض والاتجاهات الفنية؟المشهد التشكيلي الراهن ملتبس. لم يعد لدينا فن تشكيلي حقيقي، بل يعمل الفنانون بالدفع الذاتي. يكمل الفنان ما قام به من 20 أو 30 عاماً، ورغم أنه يجتهد إلا أنه يركض في مكانه، من دون أن يبحث عن أرض جديدة. لا تغيير في الحركة التشكيلية، بسبب الجدب الثقافي بعدما ابتعد التشكيليون عن الثقافة، فضلاً عن أن الاحتكاك الحقيقي في المحافل الدولية لا يتوازى مع حجم الساحة التشكيلية المصرية. كذلك نفتقد إلى مشروعات مشتركة بين الأدب والثقافة.الفن الحديث والتحدي الصعب
يرى الفنان إبراهيم غزالة أن التحدي الصعب إزاء الفنان التشكيلي هو أن يستمد فنه من الأرض والطبيعة والميثولوجيا، ويطالب بوجود أماكن لإقامة الفنانين وعملهم في مصر قائلاً: «ليس من المنطقي عدم وجود مراسم للفنانين في الأقصر، وأسوان، والنوبة، والعريش، وسيوة، إذاً من أين يستخرج التشكيليون فنهم؟ عندما نتأمل أعمال الرواد نجدها من مصر القديمة. أعمال محمود سعيد من بنات بحري بالإسكندرية، وناجي من الأقصر، ولكل فنان أسلوبه الإبداعي سواء من خلال الطبيعة أو الثقافة والتاريخ. ولن نغفل النحات محمود مختار الذي استنبط روح المرأة والحياة المصرية ومن خلالها قدّم أعظم الأعمال النحتية رغم أنه تلقى تعليمه في باريس». وعن مقولة الفن الحديث ذكر: «لدينا أكذوبة كبيرة في مصر والعالم اسمها «الفن الحديث»، لا يوجد مسمى بهذا الاسم، بل ثمة فن معاصر. ماذا سنقول بعد مئة عام حول الفن؟ هذا غرور من الفنان الذي يصف نفسه بأنه يقدِّم فناً حديثاً، وهل ما قدّمه المصري القديم من رسم وتصوير فرعوني لا يدخل في نطاق الفن الحديث؟ الفيصل في الفن هو القيمة، يمكننا أن نقول مثلاً فن القرن الـ20 أو الـ21.