بعد تبوؤ الكويت مقعدها غير الدائم في مجلس الأمن رسميا، مع بزوغ العام الجديد، تمضي الدبلوماسية الكويتية، أو السياسة الخارجية، وفق معادلة أكثر من ذهبية؛ قائمة على أبعاد وعناوين خطّتها الكويت بجدارة، بقيادة سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد، مستمدة من سجل خبرة سموه وتاريخه الدبلوماسي العريق، باعتباره عميد الدبلوماسية في العالم، وخلاصتها سطر واحد، بكلمات قليلة ومعان عميقة «الدبلوماسية (السياسية) و(الاقتصادية) و(الإنسانية)... وآخرها (الوقائية) أو (جَسر الهوة) في الأزمات».هذه الدبلوماسية ربما لم تكن بدايتها التوسط بين الأفرقاء العرب، نهاية الستينيات ومطلع السبعينيات، وبين الفرقاء اللبنانيين، إبان الحرب الأهلية في السبعينيات والثمانينيات، وليس آخرها الوساطة الكويتية ومحاولة رأب الصدع بين الأشقاء الخليجيين، واستضافة الفرقاء اليمنيين في حوار لحل الأزمة في بلادهم.
مؤتمرات المانحين
ومن أبرز دلالات المعادلة الذهبية للدبلوماسية الكويتية، على الأقل في الفترة الأخيرة، استضافة الكويت مؤتمرات المانحين لدعم الوضع الإنساني في سورية والصومال، ومؤتمر حوار التعاون الآسيوي - الإفريقي، ومؤتمر الحوار اليمني، والقمة الخليجية في دورتها الثامنة والثلاثين، وعزمها استضافة مؤتمر إعادة إعمار المناطق المحررة بالعراق في يناير المقبل، وإصرارها على إقامة بطولة كأس الخليج الثالثة والعشرين لكرة القدم، التي لم تخل من إيحاء سياسي كويتي رسالته الأساسية جمع الأشقاء على أرض الكويت، وهو ما اندرج تحت عنوانه أيضا عزمها استضافة اجتماع رؤساء البرلمانات في دول مجلس التعاون الخليجي في 8 الجاري، في إيحاء أيضا ليس بعيدا عن الإصرار الكويتي على جمع الأشقاء ورأب الصدع الخليجي.الوساطة الخليجية
في المقابل، يحفل العام الجديد بتحديات كبيرة ماثلة على المستويين الإقليمي والدولي، لاسيما في منطقة الشرق الأوسط، حيث الأزمات لم تفارق الكثير من دوله، بما يعنيه ذلك من تأثير مباشر أو غير مباشر، سواء أمنيا أو سياسيا أو اقتصاديا وحتى ثقافيا. وعلى صعيد الإقليم، هناك مخاطر الإرهاب العابر للحدود، والغمامة السوداء التي تخيم في سماء منطقة الخليج، ممثلة في أزمة حادة بين الأشقاء تهدد مستقبل «منظومة التعاون» التي تخطى عمرها ٣٨ عاما، وكانت ثمرة جهد الآباء المؤسسين، إذ أخذت فيها الدبلوماسية الكويتية على عاتقها دور الوساطة، ممثلة في سمو الأمير، ومازالت تمضي به، وحالت من خلاله دون انزلاق الأمور إلى ما لا تحمد عقباه.ملف إيران النووي
وفضلا عن ذلك، هناك ملف إيران النووي، والتدخلات الإيرانية في الشؤون الخليجية والعربية الداخلية، وأيضا الحرب في سورية، بما خلفته من أزمة لاجئين هي الأكبر، إلى جانب الحرب في اليمن، والأزمة بين مصر والسودان ودول حوض النيل، وأخيرا اعتراف الإدارة الأميركية بالقدس عاصمة لإسرائيل، ورغبتها في نقل السفارة إليها.ومجمل ذلك لن يغيب طبعا عن أجندة الكويت، خلال جلسات مجلس الأمن الدولي، في فترة عضويتها العامين المقبلين؛ فقد أعلن المسؤولون الكويتيون في أكثر من مناسبة أن الكويت ستسعى من خلال الدبلوماسية الوقائية إلى احتواء الأزمات ونزع فتيلها، والإسراع في حلها وتحجيمها قبل تزايدها، رغم كل المصاعب، مع أن الصورة في مجلس الأمن لا تدعو إلى التفاؤل، على أقل تقدير، كما ورد على لسان نائب وزير الخارجية خالد الجارالله، قبل أيام، أن مجلس الأمن أصبح منظومة عاجزة، من خلال استخدام «الفيتو»، الذي بات يعرقل كل القرارات المهمة بالنسبة للشرق الأوسط والعالم.لكن الجارالله أشار إلى أن الكويت، إلى جانب دعمها للدبلوماسية الوقائية، ستسعى إلى تطبيق استراتيجية مضادة من الممكن نجاحها، إذ تعتمد على تشكيل مجموعة من الدول غير دائمة العضوية، والضغط لمصلحة القرارات المصيرية.ووسط هذا المشهد الحافل بالبصمات والتحديات، يبقى الرهان قائما على نجاح الكويت، من خلال عضويتها في مجلس الأمن، واستراتيجيتها الدبلوماسية في إطفاء حرائق المنطقة، أو على الأقل عدم توسع رقعتها، في ضوء تاريخها الطويل والحافل في تعزيز الأمن والسلم الدوليين في أحلك الظروف والقضايا.