عندما ترجمت كتاب "لماذا يكذب القادة؟"، الذي نشرته "عالم المعرفة" السنة الماضية، لم أكن أدرك أن سنة 2017 ستحتل موقع الصدارة في حجم الأكاذيب وتنوعها. كنت حينها ألاحظ بقلق تداخل وتأثير الكذب على السياسة، حتى كاد الكذب يصبح جزءاً لا يتجزأ من الممارسة السياسية. ولذا يرد السياسي المحنك، على اتهامه بالكذب، بأنه لا يكذب أبداً، لكنه "يقتصد في قول الحقيقة" فيقول نصفها ويصمت عن النصف الآخر. سنة 2017 ، التي رحلت عنا قبل أيام، احتلت الصدارة في فنون وأنواع الكذب وأدواته، حسب "بي بي سي" فصارت، بسبب زيادة فعالية تكنولوجيا الفضاء، جزءاً من الحياة اليومية للبشر، بهدف أو بدون هدف، فتحولت إلى ما يشبه الوباء الذي يقضي على الحقيقة، وانتشر كالنار في الهشيم، (FAKE NEWS) مصطلح "الأخبار الكاذبة".وصار الكذابون يتصدرون المراكز متفاخرين بكذبهم، وتحول ذلك المصطلح "الأخبار الكاذبة" مستخدماً بكثافة من الذين يطلقون الأكاذيب كجزء من حياتهم اليومية، فصرنا لا نعرف ما هي الحقيقة وما هي الكذبة. بل لم يعد ممكناً لنقاش أو جدل حول قضية عامة، إلا ويكون يوتيوب أو تويتر أو فيسبوك أو واتساب وغيرها حاضرة في صلب النقاش، إن لم تكن البادئة فيه. بطبيعة الحال، الكذب موجود وحاضر ومستخدم منذ زمن طويل، إلا أن حضوره وتأثيره الراهن فاق الماضي بمراحل. ومن المرشح أن تستمر هيمنة الأخبار المختلقة، تغذيها حرب فضاء إلكتروني، تقودها دول وجماعات منظمة عبر جيوش إلكترونية لا يشق لها غبار، والأمثلة على ذلك كثيرة، وربما أشهرها التحقيق المفتوح من تأثير الأخبار الكاذبة على الانتخابات الأميركية من قبل الفضائيين الروس. حتى سلوك البشر صار يمثل إشكالية كبرى، فتحول الناس إلى وكالات أنباء افتراضية، فما إن تصلهم رسالة حتى يعيدوا إرسالها دون بذل أي درجة من درجات التحقق، وكأن مسؤوليتهم صارت إيصال المعلومة بأسرع وقت، أو أنهم صار مطلوباً منهم تحقيق سبق صحافي.
لنأخذ مثالاً من آلاف الأمثلة، في 3 يونيو دهست سيارة فان المارة على لندن بريدج، فقتلت 8 أشخاص، تم في الإنترنت تداول صورة للمتهم بتنفيذ الاعتداء، ثم تم تداول الصورة نفسها بعد هجوم مماثل على مسجد فنزبري بارك بلندن في 19 يونيو، وكذلك تم تداولها عندما أطلق شخص أميركي النار على محتفلين بلاس فيغاس، وأودى بحياة ٥٨ شخصاً في أكتوبر... والحقيقة هي أن الصورة كانت للممثل الكوميدي الأميركي سام هايد.ربما يكون لدخول الرئيس الأميركي ونزوله الساحة الفضائية الكاذبة بقوة دور في تفوق سنة الأكاذيب 2017 ، فهو ليس فاشنستا أو ناشطاً اجتماعياً أو مطرباً مشهوراً، أو حتى شخصية دينية أو سياسية منفردة، بل هو رئيس أميركا، وما يقوله حقيقة حتى لو كان أكاذيب. رصدت "نيويورك تايمز" أن ترامب أطلق 103 أكذوبات خلال عشرة شهور فقط، بينما أطلق سلفه أوباما 8 أكاذيب خلال ثماني سنوات.من المتوقع أن تزداد وتتعقد ظاهرة الأخبار الكاذبة، فهي سهلة وفي متناول الكثيرين، وتكلفتها أقل من الحرب التقليدية، وفي كثير من الأحيان لا يعرف من الفاعل، ولذا يمارسها كثيرون. ماذا لو تم رصد الأكاذيب التي يطلقها المسؤولون في منطقتنا، وكشف الكثير من عوار تصريحاتهم؟ سؤال مفتوح نتركه لخيالكم.
أخر كلام
سنة الأكاذيب
03-01-2018