تقرير اقتصادي : نجاح ضريبة القيمة المضافة في «خلجنتها»... لا استنساخها
• التحديات تتعلق بجودة الإدارة وحرية المنافسة والعدالة وتصاعد التطبيق والامتثال الضريبي
• دول الخليج فقيرة في التنوع الاقتصادي لا الجانب المالي
ضريبة القيمة المضافة مهمة لتنويع مصادر دخل دول الخليج، التي تعتمد بشكل جوهري على النفط في مداخيلها، غير أن جودة التطبيق بما يضمن عدم انحراف المشروع عن أهدافه أكثر أهمية؛ إذ إن التطبيق في مجتمعات صناعية وإنتاجية كالدول الأوروبية يختلف عنه في مجتمعاتنا الاستهلاكية.
نفذت دولتان خليجيتان، هما الإمارات والسعودية، مشروع اتفاق الضريبة على القيمة المضافة الموقع عام 2016، بتطبيقها رسمياً مطلع العام الحالي، في حين أجلت 4 دول اخرى في مجلس التعاون التطبيق عاماً واحداً على الأقل الى 2019.وملف ضريبة القيمة المضافة هو أحد الملفات الاقتصادية الشائكة في منطقة الخليج، ليس فقط لأنها أكبر تطبيق ضريبي في تاريخ المنطقة، بل أيضا لأنها استنساخ جامد من نماذج ضريبة القيمة المضافة المطبقة في العديد من الدول الغربية، مما يخلق العديد من التحديات؛ اذ تختلف اغراض تطبيق هذا النوع من الضريبة من مجتمع انتاجي او صناعي، بالمقارنة مع مجتمع استهلاكي يعتمد بشكل اساسي على الاستيراد، فضلا عن مدى حرية المنافسة في السوق، والأهم من ذلك وجود البنية التحتية والخبرة والمهنية الخاصة بالامتثال الضريبي، والأكثر أهمية وجود أنظمة ادارة ديموقراطية وشعبية تضمن حقوق دافعي الضريبة ومسارات إنفاقها، مما يجعل جدوى الضريبة في "خلجنتها"، أي وضعها ضمن اطار الاقتصاديات الخليجية المختلة في العوائد وسوق العمل والسكان، وليس استنساخها من دول تختلف جذريا في طبيعة النشاط الاقتصادي، وهذا يستوجب تطوير الفكر، فضلاً عن الادارة التي تدير هذه المنظومة.
النتائج غير المباشرة
لا شك أن ضريبة القيمة المضافة مهمة لتنويع مصادر دخل دول الخليج، التي تعتمد بشكل جوهري على النفط في مداخيلها، غير ان جودة التطبيق بما يضمن عدم انحراف المشروع عن اهدافه أكثر أهمية، إذ ان تطبيق "القيمة المضافة" في مجتمعات صناعية وإنتاجية كالدول الاوروبية يختلف عن تطبيقها في المجتمعات الاستهلاكية كالدول الخليجية، ففي اوروبا يعود ناتج الضريبة المضافة على تنمية المجتمع الصناعي والابتكار وتطوير ادوات الانتاج وخلافه، أما في دول الخليج فإن العائد على الضريبة نفسها يفترض أن يستهدف تخفيض نهم الاستهلاك في المجتمع من جهة فرضها مثلا على المأكولات والمشروبات غير الصحية، فيكون تخفيض الانفاق على الصحة العامة من النتائج غير المباشرة لفرض القيمة المضافة، او على السلع الكمالية والفارهة بنسب تتصاعد بتصاعد القيمة على البضائع غير الأساسية.سلع الكماليات
فمثلاً، عند تطبيق ضريبة القيمة المضافة في سوق معين كالسيارات؛ يجب مراعاة التصاعد في الاسعار وفقا للشرائح، بما يحقق منفعة الدولة عبر رفع قيمة التحصيل، كأن تكون ضريبة السيارة دون سعر الـ 10 آلاف دينار 5 في المئة، وتتصاعد النسبة بمستويات أعلى كلما ارتفعت قيمة السيارة، فعندما يصل سعر السيارة الواحدة إلى 50 ألف دينار يمكن أن تكون الضريبة 50 في المئة، لأن شراء السلعة هنا تجاوز قصد الحاجة الى الرفاهية، مما يعطي الحق للدولة في رفع مستوى تحصيلها الضريبي، فضلا عن اعادة تقويم سلوك المستهلكين... وينطبق هذا التصاعد في نسب الضريبة على السلع الكمالية والساعات والمجوهرات، بحيث ترتفع النسبة كلما ارتفع اصل القيمة، فضلا عن ان العائد من ضريبة شخص واحد هنا قد يوازي عائد 20 شخصا في سلع اكثر اساسية.مجتمعات محدودة المنافسة
إن استنساخ ضريبة القيمة المضافة من دول تحمي المنافسة وتقدسها الى دول تحمي او تدعم الاحتكار، او على الاقل محدودة المنافسة، يمثل اختلالا في بيئة التطبيق سيحقق نتائج اقتصادية ومالية واجتماعية سيئة، فدول الخليج، ومنها الكويت التي اقرت قبل عامين قانونا يسمح بتعدد الوكلاء للسلع، لا تزال تضمن درجة اعلى لـ"الوكيل القديم"، على حساب المنافس الجديد، عبر امتيازات الاراضي الصناعية من الدولة التي تؤجر كمخازن ومعارض وورش بأسعار رمزية، وهو ما لا يتحمله اي منافس في السوق، الى جانب عدم تفعيل القانون رقم 10 لسنة 2007 في شأن حماية المنافسة، والذي يجرم استحواذ اي شخص او شركة على 35 في المئة من "سوق معين"، خصوصا ان جهاز حماية المنافسة المناط به تفعيل القانون ظل لسنوات طويلة خارج نطاق الخدمة، مما استدعى قبل اشهر تغيير مجلس ادارته.فقر اقتصادي لا مالي
وفي دول فقيرة في التنوع الاقتصادي، لا بالجانب المالي، كدول الخليج؛ فإن تحدي القيمة المضافة يكون في الأثر الإيجابي من تطبيق الضريبة على الاقتصاد ككل، وليس فقط فيما يمكن تحصيله من أموال، وذلك عبر منظور شامل يمتد الى وضع شروط تنافسية تدعم المنتج المحلي بكل ما يوفره من وظائف وعوائد وخدمات على حساب المنتجات المستوردة، مع مراعاة بيانات التضخم في الاقتصاد، إذ إن دول الخليج التي طبقت ضريبة القيمة المضافة، أو تنوي تطبيقها شرعت خلال 2017 في اتخاذ اجراءات ذات ابعاد تضخمية على الاقتصاد، كلها موجهة مباشرة ضد المستهلك، مواطنا كان أو وافداً، كرفع اسعار البنزين والكهرباء والماء والضريبة الانتقائية ورسوم الإقامة والرسوم الصحية وغيرها، مما يطرح اكثر من سؤال حول جدوى الاجراءات المتسارعة المفككة، وعدم تقديمها للمجتمعات كحزمة تصاعدية تراعى فيها البيانات الاقتصادية الأساسية قبل تطبيقها.ضمان الامتثال
من أهم التحديات التي تواجه تطبيق ضريبة القيمة المضافة خليجيا مسألة تحقيق اعلى مستويات الامتثال الضريبي، في دول ليس لديها البنية التحتية اللازمة، ولا الخبرة التراكمية في إدارة ملف معقد كالضرائب، الأمر الذي يوجب خلق نظام حديث للإدارة الضريبية يضمن الامتثال ويمنع التهرب ويتجاوز تعقيدات تبادل السلع بين التجار، بل ويمنع وجود سوق غير قانوني للفواتير، فضلاً عن التفريق بين هذه الضريبة والرسوم الجمركية، مع الأخذ بعين الاعتبار وجوب تطوير نظم التحصيل وتسهيلها، خصوصاً أنها ترتبط بتعاملات يومية ضخمة في الأسواق الخليجية. لذلك من الأفضل، الى جانب تطبيقها على السلع الكمالية، ان تكون بدايتها على الشركات الكبرى ذات النمط الاستهلاكي؛ كأسواق التجزئة والسيارات مثلا، لا على سوق واسع وضخم من المحلات الصغيرة او متناهية الصغر... وحسناً فعلت الكويت في هذا الجانب الفني، إذ اشترطت وزارة المالية خلق بنية تحتية للضريبة قبل تطبيقها، وهي بذلك لم تعط موعدا للتطبيق، كما فعلت الدول الخليجية الأخرى التي مددتها الى 2019. لا جدال على أهمية القيمة المضافة وغيرها من الايرادات الضريبة في رفع تدفقات الايرادات غير النفطية في الميزانية، غير أن الأمر يستجوب الكثير من المتطلبات الخاصة بشعبية وجودة الادارة، الى كفاءة التعامل مع الأموال الناتجة عن الضريبة، مع العلم أن مجلس التعاون الخليجي منذ تأسيسه عام 1981 لم يفلح في تحقيق إنجاز واحد في ملف التعاون الاقتصادي... والخشية اليوم أن تتسرع دوله في قرارات تكون نتائج فشلها اكثر تعقيدا على اقتصادياتها.
تحدي القيمة المضافة يكون في الأثر الإيجابي من تطبيق الضريبة على الاقتصاد ككل لا فيما يمكن تحصيله من أموال