إذا كنت مؤيداً للربيع العربي والثورات في مصر وتونس وليبيا وسورية واليمن، ومن دعاة التغيير في دول الخليج العربي، لكنك اليوم ضد الانتفاضة الشعبية في إيران؛ فاعلم أنك نصاب من الصنف الفاخر، أما إذا كنت تؤيد الاحتجاجات الشعبية التي جرت في المنامة فقط وترفض أختها في مشهد وكرمنشاه؛ فأنت حينها ستكون محتالاً من الطراز الرفيع، أما إذا كنت ضد جميع الثورات والحركات الاحتجاجية بالمجمل، والآن تؤيد ما يجري في إيران لمجرد النكاية وإحراج السادة المذكورين أعلاه؛ فإنك عيّار من النوع الظريف المتوافر بكثرة.أفهم أن تكون للدول حساباتها الخاصة التي تمليها عليها ظروفها ومصالحها، فتبرر لها تقلباتها وتناقضاتها وتباين مواقفها، لكن لا شيء يجبر الأفراد العاديين على ذلك، لا شيء يجبر أحداً أصلاً على اتخاذ أي موقف من كل شيء، فأنت لست وكالة أنباء رسمية، أما إذا رأيت أنك بهذه الأهمية لنا وللعالم؛ فعلى الأقل، إذا رفعت شعاراً وجعلته مبدأً لك فالتزم به، واجعل مسطرتك واحدة ولا تتراقص، قل آمنت بالله ثم استقم، فأن تعاني من الخطأ وسوء التقدير أهون من أن تكون انتقائياً في إنسانيتك ومبادئك، وإلا فستسقط حتماً في تناقضات الأفخاخ التي نصبتها للآخرين، وسيكون سقوطك ذريعاً أمام نفسك وضميرك قبل الآخرين، خصوصاً إذا كنت من ذوي النظرة الفوقية المتعالية على أفهام الناس وحاجاتهم، ممن اعتادوا تحميل الواقع مسؤولية عدم انطباقه على قياس حساباتهم الدقيقة، ويجيدون تلحين الكلمات المجازية الجازمة والمبادئ الكبيرة العابرة للقارات والعقول عن حق الشعوب في تقرير مصيرها والخلاص من الطغاة والطغيان وإنهاء المظلوميات المتوارثة، يا ليل يا عين، وضرورة إرساء مبادئ الحكم الديمقراطي لتحقيق العدالة والحرية والمساواة، ومع ثاني اختبار حقيقي بعد الاختبار السوري حمال الأوجه كانت النتيجة الرسوب مع مرتبة الشرف.
سواء كنت من الإسلامويين مكتشفي الثورات متأخراً، كعادتهم مع كل شيء، أو من توابعهم الملتفين حولهم من بقايا القوميين والرومانسيين والعاطلين وغيرهم ممن يعرفون ما لا يريدون فقط، لكنهم لن يتفقوا أبداً على ما يريدون، أو كنت ممن يطالب بحقوق "المستضعفين" في البحرين ولا تمانع بهرس "المستضعفين" في إيران، رغم أن القتيل لا يهمه مذهب قاتله في أي مكان بالكون، فأنت مكشوف أكثر مما تتوقع، فلا تتذاكى تحت دخان الشعارات والموضوعية، ولا تضحك على الناس الذين تدعي أنك تدافع عنهم، فتصبح بذلك في صف خصمهم عليهم، فهو يتلاعب بحياتهم، وأنت تتلاعب بأفكارهم وأحلامهم المثالية، فلم يبعثك أحد لتغيير الدنيا؛ فلا ترهق نفسك بما لا طاقة لك به من التبريرات والأكاذيب والمواقف الملتوية، فعندما تضع على رأسك قبعة غيفارا لتهيج بعض الشعوب، وتهاجم أنظمتها التي لا ترى من حسناتها شيئاً، ثم ترتدي طربوش كيسنجر، وتكتشف فجأة أن السياسة هي فن الممكن، لتدافع فقط عن مواقفك المنسجمة مع الدول التي تحبها وتشجعها، ولا يلفت نظرك من مساوئها مشهد، ثم تستبدلها بطاقية ميكافيلي لتبرر خذلانك غير المبرر لشعوب أخرى رفعت الشعارات ذاتها التي كنت ترفعها قبل قليل في مكان آخر، لتحدد حضرتك من هي الشعوب المستحقة للحياة والحرية من عدمه؛ فكل هذا لا يفوت على أحد، ولا تخدع فيه إلا ذاتك، أو من يُعجبه أن ينخدع معك فقط.
أخر كلام
الربيع الإيراني و«الأربعين حرامي»
06-01-2018