قررت لجنة التحقيق الدائمة في محكمة الوزراء، برئاسة المستشار أسامة البابطين وعضوية المستشارين بدر الطريري وعصام الفهد، حفظ التحقيق في البلاغ المقدم من أحد المحامين ضد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير المالية السابق أنس الصالح، على خلفية تعيينه أحد المسؤولين بالوزراة بدرجة مستشار بمكتبه، بعدما استقال الأخير من منصبه بالوزارة بدرجة وكيل مساعد، وثبوت مخالفات بحق هذا المسؤول من ديوان المحاسبة، نتيجة توقيعه أحد العقود مع شركة المشروعات السياحية. ولفتت لجنة التحقيق أن الإجراءات التي اتبعها وزراء المالية مصطفى الشمالي ونايف الحجرف وأنس الصالح في المخالفات المنسوبة للعقود بين املاك الدولة وشركة المشروعات السياحية سليمة، من خلال تشكيلهم لجانا وفرقا للتحقيق، فضلاً عن ان المخالفات التي وضعها ديوان المحاسبة على وزارة المالية تمت معالجتها، وان المسؤول المخالف عنها تمت إحالته الى هيئة مكافحة الفساد، فضلا عن سبق احالته الى هيئة المحاكمة التأديبية التابعة لديوان المحاسبة مع آخرين بشركة المشروعات السياحية.
مخالفات
وأكدت لجنة التحقيق ان خلاصة ما نسبه المبلغ في بلاغه وتناولته التحقيقات بشأن المخالفات التي شابت العقد المبرم بين ادارة الملاك الدولة وشركة المشروعات السياحية الواردة بكتاب ديوان المحاسبة الموجه إليه، وعدم موافاة الديوان بنتائج بشأن المخالفات التي أضرت بالمال العام، فضلا عن إرجائه التحقيق مع احد المسؤولين في وزارة المالية بدرجة وكيل مساعد، والذي أجرى التعديلات بالعقد المخالف ووقع عليه، وتقديم استقالته من منصبه لعدم المسؤولية، وقيام الوزير المبلغ ضده بتعيينه مستشاراً بمكتبه بالوزارة، بدلا من اتخاذ اجراءات التحقيق معه.ولفتت اللجنة إلى أن تلك المخالفة المنسوبة للوزير الصالح تثير شبهة مقارفته الفعل المؤثم بالمادة 14 من القانون رقم 1 لسنة 1993 بشأن حماية الاموال العامة، إلا ان هذه الشبهة سرعان ما ينقشع غبارها ويزول اثرها من الاوراق، ذلك انه من المقرر-وعلى ما استقر عليه القضاء- أن النص في المادة 14 من قانون حماية الاموال العامة على ان "كل موظف عام او مستخدم عام او عامل تسبب بخطئه في إلحاق ضرر جسيم بأموال الجهة التي يعمل بها أو يتصل بها بحكم وظيفته او بأموال الغير او مصالحه المعهود بها الى تلك الجهة بأن كان ذلك ناشئاً عن اهمال او تفريط في اداء وظيفته او عن اخلال بواجباتها او عن إساءة استعمال السلطة داخل البلاد او خارجها يعاقب بالحبس المؤقت مدة لا تزيد على ثلاث سنوات، وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف دينار، ولا تزيد على عشرين ألف دينار او بإحدى هاتين العقوبتين".توافر الجريمة
وبينت اللجنة أنه يلزم لقيام الجريمة توافر عدة اركان؛ أولها: صفة الجاني، وهي ان يكون موظفا عاما، وثانيها ركن مادي يتكون من ثلاثة عناصر هي الخطأ والضرر وعلاقة السببية فيما بينهما. وفيما يختص بعنصر الخطأ في الجريمة فقد حدد له المشرع صورا ثلاثا على سبيل الحصر، واشترط لقيامها ان يندرج خطأ الموظف تحت احدى هذه الصور، وهي:1- الإهمال في أداء الوظيفة ومعناة تقاعس الموظف عن القيام بالواجبات التي تفرضها عليه مقتضيات وظيفته، سواء اتخذ ذلك صورة امتناعه كلية عن ممارسة اختصاصه بصفة عامة أو بالنسبة لنوع معين من الأعمال، كما وقد يتخذ الإهمال صورة ممارسة الموظف لاختصاص على وجه أغفلت فيه القواعد القانونية أو الفنية، التي يتعين عليه التزامها، كلّ يؤدي عمله الوظيفي على أكمل وجه.2- الإخلال بواجبات الوظيفة وينصرف إلى ما يتعلق بأداء الأعمال الوظيفية أو ما يتعلق منها بالسلطة التقديرية وغير ذلك من واجبات يقتضيها حسن أداء الوظيفة، وتتمثل فيما يمكن التعبير عنه اصطلاحاً بأمانة الوظيفة العامة.3- إساءة استعمال السلطة وهو تعبير ينصرف إلى مخالفة الغرض، الذي من أجله خول المشرع الموظف العام استعمال سلطته التقديرية في أمر من الأمور، وبمعنى آخر أن يبتغي الموظف بممارسة اختصاصه تحقيق غاية مختلفة عن تلك، التي حددها القانون للأعمال الداخلية في هذا الاختصاص، كما أن العنصر الثاني وهو الضرر، فيشترط أن يكون مادياً بحيث يلحق بأموال أو مصالح الجهة، التي يعمل لديها الموظف، والمراد بالمصلحة في هذا المقام المصلحة المادية، التي يمكن تقويمها بالمال، وأن يكون جسيماً ومحققاً وإلا فلا تقوم الجريمة، وأخيراً العنصر الثالث، وهو رابطة السببية بين الخطأ والضرر، وهو أن يرتبط الخطأ المسبب بالسبب بأن يكون الضرر ناتجاً عن الخطأ ومترتباً عليه، وثالث أركان هذه الجريمة هو الركن المعنوي، وهو أن يقوم على الخطأ غير العمدي، ومن ثم يخرج عن المدلول العام للخطأ من حيث إخلال الشخص بواجبات الحيطة والحذر، التي يفرضها القانون بالنظر إلى الظروف الواقعية، التي يباشر فيها تصرفه، وقد تواترت أحكام القضاء على أن الإهمال في الأموال والوظائف العامة، وهو صورة من صور الخطأ الفاحش ينبئ عن انحراف مرتكبه عن السلوك المألوف والمعقول للموظف العادي في مثل ظروفه وقوامه تصرف إرادي خاطئ يؤدي إلى نتيجة ضارة توقعها الفاعل أو كان عليه أن يتوقعها، والسلوك المعقول العادي للموظف تحكمه الحياة الاجتماعية والبيئية والعرف ومألوف الناس في أعمالهم وطبيعة مهنتهم وظروفها، فإن قعد عن بذل الجهد، بذل يبذله أكثر الناس تهاوناً في أامور نفسه كان تصرفه خطا جسيماً.وبينت اللجنة أن الثابت من وقائع التحقيق وما قدم من مستندات على التفصيل سالف السرد، أنها قد خلت من دليل على وقوع الخطأ من جانب الوزير المبلغ ضده بأي من صورة من الصور المعاقب عليها في النص الإجرائي المار ذكره، فقد أنكر الوزير المبلغ ضده ما نسب إليه في البلاغ جملة وتفصيلا، وثبت للجنة على نحو ما تقدم بيانه أنه استجاب لطلب ديوان المحاسبة بموافاته بنتائج تحقيق اللجنة المشكلة من قبل وزير المالية السابق (والحالي) نايف الحجرف، ولجنة التقييم، التي شكلت من قبل الوزير (وزير المالية) السابق مصطفى الشمالي بشأن المخالفات التي رصدها الديوان في العقد موضوع البلاغ، كما قام الوزير المبلغ ضده في استجابة منه لتوصيات ديوان المحاسبة بكتابه المؤرخ في 19/5/2015 بإصدار قرار بتشكيل لجنة تقصي الحقائق حول المخالفات الواردة بتقرير الديوان، وبعد أن وافى الديوان بنتائج أعمال هذه اللجنة قام ديوان المحاسبة بتوجيه كتاب إليه بملاحظاته على عمل ونتائج اللجنة طالباً منه تشكيل لجنة محايدة للتحقيق في المخالفات، ونفاذاً له أصدر الوزير قراره رقم 57/2017 بتشكيل لجنة محايدة مشكلة من أستاذة كلية الحقوق للتحقيق بشان المخالفات الواردة بالعقد والعقود المتفرعة منه وبعد أن باشرت اللجنة المحايدة أعمالها انتهت في تقريرها إلى عدة توصيات، منها توقيع العقوبات على الموظفين الموقعين على العقد، وقام بموافاة ديوان المحاسبة بنتائج عمل اللجنة الأخيرة، وقد أفادت كبيرة مدققي ديوان المحاسبة في أقوالها بالتحقيقات بعد أن أبدت ملاحظات على عمل ونتائج هذه اللجنة بأن ديوان المحاسبة أحال العديد من مسؤولي إدارة أملاك الدولة، وشركة المشروعات السياحية إلى المحاكمة التأديبية بشأن المخالفات، التي رصدها في العقد موضوع البلاغ، لإضرارهم بالمال العام، وقدمت صورة من تقرير الاتهام وقائمة بالمشكو بحقهم ومن بينهم المسؤول عن المخالفة، وأضافت بأنه جارٍ تقديم تقرير بهذه المخالفات للهيئة العامة لمكافحة الفساد.توصيات
وبينت اللجنة أن الثابت من ردود الوزير المقدمة إليها، وما أرفق بها من مستندات أنه شرع في تنفيذ توصيات لجنة التحقيق المحايدة الأخيرة، وأرفق بمحافظ مستنداته في التحقيقات المخاطبات، التي تمت بشأن تنفيذ توصياتها وبردود الجهات المختصة بشأنها، كما ثبت للجنة من واقع المستندات المقدمة في التحقيقات أن الموافقة على استقالة المسؤول المخالف قد تمت قبل صدور تقرير ديوان المحاسبة بشأن المخالفات، التي شابت العقد وتوصيته بإجراء التحقيق بشأنها، وخلت الأوراق مما يفيد بأن المسؤول المذكور كان وقت تقدمه باستقالته محالاً للتحقيق أو موقوفاً من العمل أو متخذاً ضده أي من الإجراءات التأديبية، لاسيما أن من المقرر أن استقالة الموظف العام لا تعفيه من المسؤولية الجزائية أو المدنية عند الاقتضاء وفقاً للمادة 31 من المرسوم بقانون الخدمة المدنية رقم 15/1979 ، كما ان تعيينه مستشاراً بإدارة مكتب الوزير كان في تاريخ سابق على ثبوت ضلوعه بالمخالفات التي شابت العقد موضوع البلاغ، الذي أسفر عنه تقرير اللجنة المحايدة الأخيرة المشكلة من قبل الوزير المبلغ ضده ، وأن ما أثاره المبلغ في بلاغه حول تعمد الوزير إرجاء التحقيق معه محض قول مرسل خلت الأوراق من دليل عليه، هذا إلى أن الثابت من كتاب الوزير المؤرخ بأنه تقرر عدم تجديد الاستعانة بخبراته بإدارة مكتب الوزير الأمر، الذي تخلص منه اللجنة من حاصل ما تقدم إلى انتفاء خطأ الوزير المبلغ ضده من الأوراق، ومن ثم تنتفي معه الجريمة، التي أثارها المبلغ في بلاغه برمتها بما يتعين معه حفظ البلاغ نهائياً لانتفاء الجريمة.