ما قــل ودل: صحة أو بطلان اجتماعات المجلس دون تمثيل الحكومة
تدور الآراء المبطلة لصحة جلسات مجلس الأمة في غياب تمثيل الحكومة، حول تطبيق قاعدة التكامل في تفسير النصوص الدستورية، وقد أوردها أصحاب هذا الرأي في غير موردها وأحلوها في غير محلها.
في الحراك السياسي والدستوري الذي لا تغرب شمسه عن التجربة الديمقراطية في الكويت التي لا تزال نابضة بالحياة بالرغم من كل التحديات والصعاب التي يواجهها وطننا العربي، قدم النائب المحترم مبارك الحجرف اقتراحا إلى مجلس الأمة بإحالة طلب تفسير المادة (116) من الدستور إلى المحكمة الدستورية بشأن صحة أو بطلان اجتماعات المجلس دون تمثيل الحكومة.مشاري العنجري هو أول من فجر القضية
وقد أعاد هذا الاقتراح إلى الأذهان أن نائب رئيس مجلس الأمة الأسبق السيد مشاري جاسم العنجري هو أول من فجر هذه القضية في جلستي مجلس الأمة المعقودتين بتاريخ 3/ 11/ 1981 و17/ 11/ 1981، ففي أولاهما كان السيد أحمد السعدون نائب رئيس مجلس الأمة وقتئذ يترأس الجلسة، وقد اكتمل نصابها، ولم يكن في الجلسة سوى وزير واحد هو وزير العدل الشيخ سلمان الدعيج الصباح، عندما غادر الجلسة، وأثناء مغادرته لها نبه عليه الرئيس بأنه الوزير الوحيد، فقال إنه سيعود، وعندما طال غيابه فض الرئيس أحمد السعدون الجلسة، لعدم صحتها بعدم وجود تمثيل الحكومة، وهو ما اعترض عليه النائب مشاري العنجري، وفى الجلسة التالية عاد النائب مشاري العنجري ليؤكد ما قاله في الجلسة السابقة، وأقره أحمد السعدون على رأيه واعترف بأنه أخطأ في إبطال الجلسة.ترتيب البطلان دون نصولأن ترتيب بطلان اجتماعات مجلس الأمة على تخلف عضو من أعضائه دون نص صريح يقرره الدستور فيما يعنيه من اعتبار الاجتماع غير قائم وأنه لم يقم أبدا، بالرغم من حضور أغلبية أعضاء المجلس، وهي الأغلبية التي تطلبتها المادة (97) من الدستور لصحة انعقاده، فإن ترتيب هذا البطلان دون نص صريح على ذلك يمثل خطرا كبيرا على السلطة التشريعية وهي سلطة قائمة بذاتها، في ظل مبدأ الفصل بين السلطات، فإن مثل هذا الأمر يلقي على اللجنة التشريعية والقانونية بمجلس الأمة مسؤولية كبيرة في إعداد طلب التفسير سالف الذكر.ذلك أنني لا أستطيع أن أكتم خشيتي من النتائج التي يمكن أن يصل إليها أي تفسير لنصوص الدستور، في هذه المسألة الخطيرة، يمكن أن يبنى على أي تحليل سياسي للظروف التي تمر بها البلاد الآن، والتي تمثل خصوصية لا يمكن أن تبنى عليها الأحكام.الخلاف في الرأي حول الموضوعومن خلال الآراء التي خاضت في هذا الموضوع، بما في ذلك الأبحاث والدراسات التي تناولته، يتنازع صحة اجتماع مجلس الأمة، دون تمثيل الحكومة رأيان أحدهما يرى صحة الاجتماع، لأن المادة الوحيدة في الدستور التي تصدت لصحة اجتماع مجلس الأمة، حين ينعقد في الزمان والمكان المقررين له، هي المادة (97) التي نصت على أن "يشترط لصحة اجتماع مجلس الأمة حضور أكثر من نصف أعضائه..."، وأن المادة 116 من الدستور فيما نصت عليه من أنه "ويجب أن تمثل الوزارة في جلسات المجلس برئيسها أو ببعض أعضائها..."، لها مضمون محدد ومستقل عن نص المادة (97). التوافق لا التعارض وعلى النقيض ذلك تدور الآراء المبطلة لصحة جلسات مجلس الأمة في غياب هذا التمثيل، حول تطبيق قاعدة التكامل في تفسير النصوص الدستورية، وقد أوردها أصحاب هذا الرأي في غير موردها وأحلوها في غير محلها، عندما أصبح تكامل هذين النصين– حسب رأيهم– يؤدي إلى التعارض الصارخ مع كل النصوص الدستورية التي يقوم عليها نظام الحكم الديمقراطي، والتكامل يدعو إلى التوافق وينهى عن التعارض.ولا شك في أهمية تمثيل الحكومة في اجتماعات المجلس ضرورة، باعتباره التزاما يفرضه الدستور أبو القوانين جميعا، تكفله الضمانات الدستورية في العلاقات المتبادلة بين السلطات في ظل مبدأ الفصل بين السلطات، وإن كان اعتذار الحكومة عن الحضور في بعض الجلسات هو حق مشروع لها، يخضع تقديره للمجلس في حال انعقاده بأكثر من نصف أعضائه دون حضور الحكومة، والمجلس سيد قراره بفض الاجتماع أو استمرار عقده، إذا لم ير في الموضوعات المدرجة على جدول أعماله ما يستدعي حضورها.الالتزام بروح الدستورويبقى أمام المجلس والحكومة الالتزام بروح الدستور المتمثلة بالغايات التي استهدفها والتي تتمثل بالطريق الوسط الذي اختاره بين النظامين البرلماني والرئاسي مع انعطاف أكبر إلى أولهما، والذي يمنع تقرير بطلان اجتماعات مجلس الأمة، في غياب الحكومة قياسا على الحكم الوارد في المادة 97، بعد صحة اجتماع المجلس، عندما يتخلف أكثر من نصف أعضائه.كذلك أنه لا يمكن أن يتساوى في رأيي غياب أكثر من نصف أعضاء المجلس عن اجتماعاته، والذي يترتب عليه عدم صحة الاجتماع، إعمالا للمادة (97) من الدستور في الحكم، بتخلف عضو واحد، لأنه يحمل حقيبة وزارية، ووجوب تمثيل الوزارة في اجتماعات المجلس طبقا للمادة (116) من الدستور هو فرض كفاية لا فرض عين كما يقول الأصوليون، يكفي فيه حضور وزير واحد. لذلك فإنه لا بطلان إذا امتنعت الحكومة عن حضور جلسات المجلس لإبطال انعقاده، ولا صحة لاجتماع المجلس إذا حال المجلس بين الحكومة وحضور الاجتماع، لأنهما يفقدان بذلك ضمنا حقها في التمسك ببطلان الاجتماع أو صحته، لأنها قد نزلت عن ذلك ضمنا بامتناعها سالف الذكر.ومن قواعد أصول الفقه في هذا السياق، معاملة الشخص بنقيض مقصوده، وأن من سعى إلى نقض ما تم على يديه فسعيه مردود عليه.خرج الفقه الإسلامي هاتين القاعدتين على الحديث الشريف: الذي يقول فيه رسول الله- صلى الله وعليه وسلم "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى" ولنا فيه أسوة حسنة.
لا يمكن أن يتساوى غياب أكثر من نصف أعضاء المجلس عن اجتماعاته بتخلف عضو واحد