هل فقد النظام في إيران شرعيته؟
ما إن تخرج مظاهرات في إيران حتى ترتفع أصوات عديدة تتساءل عن مصير النظام هناك، ويعتبر هذا التساؤل مشروعا لأن إيران مكون وفاعل أساسي في المنطقة، ولها نفوذ كبير فيها، إلا أن ما يتم تداوله في بعض وسائل الإعلام هو أقرب ما يكون إلى الأمنيات منه إلى تحليل وتفسير واقعي لما يحدث في إيران. وقبل الخوض في الأحداث الأخيرة، من المهم التطرق ولو بشكل مختصر إلى شكل نظام الحكم في جمهورية إيران الإسلامية، والذي يعد نظاما فريدا من نوعه، فهذا النظام هو الوحيد في العالم الذي يقوم على نظرية ولاية الفقيه، كما أنه يتكون من عدد من المؤسسات التي تتداخل مهامها وتتفاعل فيما بينها ليتم في النهاية صنع القرار، ويعتبر منصب المرشد أو الولي الفقيه هو المنصب الأكثر قوة وتأثيرا في الدولة، إلا أن القرارات التي يتخذها هي نتيجة قراءته للساحة السياسية في الدولة ونتيجة تفاعله مع المؤسسات الأخرى. وإلى جانب هذا المنصب هناك منصب رئيس الجمهورية ومجلس صيانة الدستور ومجلس الخبراء ومجمع تشخيص مصلحة النظام بالإضافة إلى السلطتين التشريعية والقضائية والمجلس الأعلى للأمن القومي. هذا علاوة على القوات المسلحة بمختلف أفرعها، وبعض المؤسسات الخيرية ذات الميزانيات الضخمة والتأثير الاقتصادي الكبير "كبنياد مستضعفان" على سبيل المثال.
ورغم هذه التعددية الواضحة والفريدة في إيران، فإن النظام الإيراني ليس بالنظام الديمقراطي، فالتعددية المسموح بها هي لأبناء النظام والذين يؤمنون بمبادئه ويعملون على الحفاظ عليه، وينتمي أبناء النظام إلى تيارات ثلاثة رئيسة هي التيار المحافظ والتيار المعتدل والتيار الإصلاحي. تتبادل هذه التيارات المواقع في المؤسسات المنتخبة في النظام من خلال صناديق الاقتراع، إلا أن الترشح يحتاج أن يمر عبر مجلس صيانة الدستور، وبالتالي تكون العملية الانتخابية محصورة فيمن يتم تأييد ترشيحهم من المجلس، ويحد ذلك من خيارات الشعب الإيراني أثناء الانتخابات سواء الرئاسية أو البرلمانية أو البلدية وحتى في انتخابات مجلس الخبراء. إلا أن هذه المحدودية لا تعني أن النظام الإيراني هو نظام شمولي، فالتعددية المسموح بها تسهم في حدوث تفاعل بين أبناء النظام وتشرك الناس أيضا في عملية اتخاذ القرار بصورة أو بأخرى، كما تؤدي هذه التعددية المقيدة إلى حالة من الشد والجذب بين التيارات سابقة الذكر، والتي تجد في الشارع وسيلة من وسائل الضغط على بعضها.وعليه يمكن فهم الأحداث الأخيرة من خلال هذه الزاوية، فعلاقة حسن روحاني الذي ينتمي إلى التيار المعتدل متوترة بالتيار المحافظ، وعلى الأخص جناحه المتشدد، وبدأ هذا التوتر منذ توليه للسلطة سنة ٢٠١٣، حيث شكك المتشددون بطريقة إدارته للملفات الاقتصادية والسياسية وحتى الحقوقية، ودخل روحاني في سجال معهم في مواضع مختلفة.ومن المهم التأكيد أن وسائل الاحتجاج في إيران لا تقتصر على المظاهرات، بل تظهر في بعض الفعاليات التي تنظمها التيارات المختلفة، فعلى سبيل المثال، نظم التيار المتشدد فعالية بعنوان "قلقون" في بعض المدن للتعبير عن قلق المنتمين إليه من السياسات التي يتبعها حسن روحاني، كما تشتمل أدوات الاحتجاج على كتابة البيانات وإرسال الرسائل.وتعد المظاهرات الأخيرة وسيلة ضغط أخرى اتبعها التيار المحافظ للضغط على روحاني وذلك احتجاجا على سياساته الاقتصادية، إلا أن هذه الوسيلة كان لها ارتداد عكسي على النظام بسبب دخول فئات مناوئة له على خط الاحتجاجات وترديدها شعارات مناهضة له ولرموزه وداعية إلى إسقاطه. ولكن، هل فقد النظام شرعيته؟ لا يمكن القول إن النظام قد فقد شرعيته بسبب هذه المظاهرات، بل يمكن القول إن النظام الحالي هو بمثابة الأمر الواقع بالنسبة إلى الإيرانيين ولا أدل على ذلك من الانتخابات الرئاسية الأخيرة والتي شارك فيها نحو ٤١ مليون ناخب وبنسبة تفوق الـ٧٠% من مجموع الناخبين، وتعد هذه النسبة كبيرة عند مقارنتها بنسبة المشاركة في كثير من دول العالم، علاوة على ذلك هناك عدد لا بأس به من الإيرانيين المؤيدين والداعمين للنظام ولبقائه والمستعدين للدفاع عنه من منطلقات شرعية ودينية، وبإمكان النظام حشد هؤلاء في أي مواجهة يخوضها مع مناوئيه.ويحق للشعب الإيراني الاحتجاج على الأوضاع التي يعيشها خصوصا أن هناك مشكلات اقتصادية جدية تحتاج إلى حلول جذرية وسريعة، كما أن ملف الفساد شائك وملف حقوق الإنسان يحتاج مراجعة من الحكومة الإيرانية، إلا أن محاولات التدخل الخارجي لإسقاط النظام غير مجدية، فهي تضعف الموقف الشعبي وتقوي موقف النظام، كما أن من غير المتوقع أن تسقط الجمهورية الإسلامية على المدى القريب نتيجة المظاهرات والاحتجاجات، فالاحتجاجات الأخيرة ليست الأولى وقد لا تكون الأخيرة، كما أن النظام الإيراني أثبت خلال العقود الماضية قدرته على التعامل مع تلك التحركات.