قدّمت أخيراً معرضاً بعنوان «انعكاس». ما دلالة اختيارك العنوان؟
«انعكاس» كلمة تحمل كثيراً من المعاني المباشرة وغير المباشرة. ربما تكون انعكاساً للمرئيات في الطبيعة والتي تشكِّل مساحات متباينة من الظلال والأضواء، فتصنع في حد ذاتها لوحة فنية متناغمة بإيقاعات لونية وخطية متعددة يترجمها الفنان بفرشاته في مساحات متجاورة من الألوان الباردة والساخنة، ذلك برؤيته الفنية والتعبيرية الخاصة. والمعنى الضمني غير المباشر لـ «انعكاس»، هو تعبير الفنان عن تخيلاته ورؤيته لتلك الانعكاسات، حيث نجد عالماً ساحراً نغوص فيه، تمتزج وتتصارع فيه الضربات اللونية وكأنه عالم خاص يراه كل متأمل بعقله وقلبه، فلا يشترط أن يرى تلك الانعكاسات بشكلها المتطابق مع المرئيات في الطبيعة. هذه الرؤية الفنية انعكست في لوحات معرضي بأسلوب تعبيري يحمل روح الانطباعية في تناول المنظر الطبيعي والانعكاسات المختلفة التي تحمل أشكالاً وخطوطاً وألواناً للظلال والأضواء في الطبيعة.
أحجام وألوان
تباينت أحجام الأعمال الفنية في معرضك، فهل ثمة فلسفة لهذا التباين؟لكل لوحة شخصيتها وفكرتها. يتسم بعض اللوحات بالاستطالة مع اتجاه خطوط التصميم بقوة إلى أسفل للتعبير عن الامتداد الناتج عن انعكاس الأشياء في المنظر الطبيعي، وتتميز لوحات أخرى ببنائها التصميمي على الامتداد العرضي للتعبير عن الأفق لأجد خطوطي وأشكالي تمتد بشكل حر وتلقائي وتخرج أحياناً قطع الزجاج والموزاييك عن المنطقة المحددة للوحة لتكسر القيود التي يمثلها الإطار، فأشعر بالانطلاق والحرية.كيف تعاملت مع الألوان، وهل ترين أن أهمية اللون تفوق الفكرة في اللوحة أم العكس؟التعامل مع الألوان هو تعاطٍ بالإحساس الفطري والسمو من حدود الخط المحدد للشكل إلى تلخيص الإحساس بكتلة علاقات لونية متجاورة، وفقاً لحسابات خاصة برؤية الفنان ومعرفته بالطبيعة التعبيرية والنفسية، واستخدام الألوان الساخنة والباردة، وما تثيره من مشاعر لدى المتلقي. تعامل المصور الجداري مع الألوان من خلال الخامات الجدارية يختلف بعض الشيء عن استخدام الفرشاة واللون في اللوحات التصويرية. تفرض الأولى بعض القيود في ترتيب القطع وتباينها وتجاورها للإحساس بالتدرج اللوني، وجاءت التجربة من خلال هذا المعرض للمزج بين الأسلوبين في التعبير عن الانعكاس في المنظر الطبيعي من خلال قوة التعبير اللوني والخطي لاستخدام الصبغات اللونية المذابة في مادة الإيبوكسي، وتلوين السطح بها في ضربات لونية امتزجت وتداخلت مع قطع الموزاييك الزجاجي والحجري. عموماً، يخدم اللون الفكرة غالباً، فهو الأداة التعبيرية عنها حتى في أعمال الأبيض والأسود أو المونوكروم (أحادية اللون)، فهو الأداة التي يعبر بها الفنان عن مضمون فكرته على سطح اللوحة، ولا يمكن فصل اللون وقوته التعبيرية عن الفكرة أو تفضيل أي منهما على الآخر، فالعلاقة بينهما تكاملية متبادلة.جداريات
يؤدي التصوير الجداري، وأنت أحد أساتذته، دوراً مهماً في المحيط البيئي. كيف يتسنى لك تقديم أعمالك في هذا الإطار؟يحتلّ التصوير الجداري كأحد المجالات الفنية مرتبة مهمة ومتميزة في ربط الفن بالجمهور وبحياة الناس منذ آلاف السنين. يمثِّل الجدار صفحات تسجيلية من تاريخ الإنسان عبر العصور المختلفة، وفي عصرنا خرج باللوحة الفنية من حيز صالات العرض والمتاحف إلى الجمهور في الشارع في تفاعل مباشر مع المتلقي والبيئة. من ثم أثّر في المجتمع بشكل مباشر وحيوي، ذلك بإضفاء لمسة جمالية أو عرض فكرة أو مضمون ثقافي، إذ بإمكانه أن يعدل سلوكاً سلبياً أو يطرح قضية أخلاقية معينة أو يعزز فكراً إيجابياً.كيف يمكن للتصوير الجداري أن يعدِّل سلوكاً سلبياً؟لنتخيل ما يمكن أن تفعله لوحة فنية توضع لتجميل جدار في إحدى العشوائيات، وما قد تحدثه من تعديل في سلوك الأشخاص الذين يعيشون في المنطقة. سنجدهم يتحولون إلى الحفاظ بشكل تلقائي على جمال المكان بأسلوب متحضر بعد الإهمال والعشوائية، وفي ذلك الإطار ثمة تجارب نُظمت بشكل فردي تبنتها مؤسسات فنية خاصة مثل تجميل عدد من الفنانين منازل الصيادين بمنطقة البرلس، وما أحدثته تلك التجربة من تعديل في سلوك الأطفال والكبار تجاه بيئتهم. كذلك نجد توجهاً مجتمعياً لدور الفن والفنانين في إضفاء لمسة جمالية داخل المستشفيات، وتوظيف العمل الجداري في المعالجة غير المباشرة للمرضى باللون، وإعطائهم الأمل الذي ربما يسهم بشكل كبير في تحسين أوضاعهم المرضية.ماذا عن أعمالك؟أتوجه دائماً نحو ربط البيئة بأطروحاتي التصويرية من خلال استخدام الخامات الموجودة في الطبيعة، كالأحجار والرخام، ودمجها بالخامات الجدارية من قطع زجاجية ملونة وموزاييك مصنع، ذلك في تركيبات ذات رؤية معاصرة تتوافق مع أسلوبي الفني. كذلك قدّمت تجارب فنية عدة سابقة وظّفت فيها خشب الشجر الطبيعي، وأضفت بعداً آخر إلى تلك الكتل الخشبية المتباينة الخطوط والأحجام والملمس في تناغم لوني وخطي، مع قطع الموزاييك الحجرية والزجاجية التي تنساب حول الخشب، وتغطي سطحه بين الحين والآخر لتأكيد الشعور بالعضوية والدمج بين العمل ومحيطه البيئي.أنت عضو في «رابطة مصورات الفنون الجميلة». ماذا عن هذه الرابطة؟تجمع «رابطة مصورات الفنون الجميلة» نحو 30 فنانة قررن عمل رابطة نسوية، وهي بالنسبة إلي تعُد تجربة فنية متميزة، حيث تلتقي فنانات مختلفات في اتجاهاتهن الإبداعية، ويجمعهن محيط عمل واحد كأعضاء هيئة تدريس في كلية الفنون الجميلة قسم التصوير. كان الاتجاه إلى تكوين الرابطة من أجل تقديم رؤانا الفنية من خلال ثيمات أو موضوعات معينة تخصّ كل فنانة على حدة، وفقاً لأسلوبها الفني والخامة التي تحبذ التعبير بها. وفي هذه المجموعة مصورات جداريات، يختلف أسلوبهن في التقنية التي يعتمدنها في مجال التصوير، كذلك الأساليب التعبيرية، ومفردات الأعمال، ولكن يجمعنا كيان فني وإبداعي متميز.الطموح سر النجاح
تطمح الفنانة جيهان مدكور إلى إثبات رغبتها الدائمة في التميز والتفوق، سواء على الصعيد العلمي أو العملي، وإثبات الذات بالمشاركة الفاعلة، وترك بصمة فنية في الحركة التشكيلية.تخرجت مدكور في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة عام 1994، وعينت معيدة فيها، ومنها حصلت على درجة الماجستير في التصوير الجداري عام 2001، وعلى دكتوراه الفلسفة في التصوير الجداري عام 2008.تعمل راهناً مدرسة في قسم التصوير، شعبة جداريات بالكلية، وشاركت في معارض جماعية عدة في مصر منذ عام 1994، كذلك شاركت في معرض «أساتذة الفنون الجميلة بالأكاديمية المصرية» بروما عام 2012، وفي ملتقى الفنانين التشكيليين العرب في يناير 2015، ولها مقتنيات عدة في مصر لدى الأفراد وفي متحف كلية الفنون الجميلة بالقاهرة.