بعد أيامٍ من قرار الرئيس السوداني عمر البشير، منح الحكومة التركية حق إدارة جزيرة "سواكن" الاستراتيجية المطلة على البحر الأحمر، كجزء من سياسة سودانية تستهدف ضمان موطئ قدم لأنقرة -ألد خصوم القاهرة- من منفذ مطل على البحر الأحمر، بدأت مصر التنسيق والتشاور مع المملكة العربية السعودية، بشأن أمن البحر الأحمر، بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي العربي.الخارجية المصرية قالت امس، إن الوزير سامح شكري، التقى نظيره السعودي عادل الجبير، على هامش اجتماعات اللجنة العربية السداسية، المعنية بالقدس في العاصمة الأردنية عمان، وقال الناطق باسم الخارجية المصرية السفير أحمد أبوزيد: إن "اللقاء بحث تطورات الأوضاع في المنطقة، وفي القرن الإفريقي، وأمن البحر الأحمر، باعتباره امتداداً للأمن القومي العربي"، مشيراً إلى أن اللقاء شهد تفهماً مشتركاً لطبيعة التحديات في المنطقة.
وتابع أبوزيد: "اتفق الوزيران على ضرورة مواجهة جميع أشكال التدخل الأجنبي في شؤون الدول العربية، والتنسيق المشترك لحفظ مصالح الشعبين الشقيقين، والأمن القومي العربي واستقرار المنطقة".العلاقات بين الشعبين اللذين يوصفان بالشقيقين، مصر والسودان، وصلت مؤخراً إلى مرحلة غير مسبوقة من التوتر، تجسَّدت في استدعاء الخرطوم سفيرها في القاهرة، الخميس الماضي للتشاور، الأمر الذي قالت مصر إنها ستدرسه، للوقوف على أسبابه واتخاذ الموقف المناسب حياله، ففي حين تشكو القاهرة سلوكيات الخرطوم حيال ملف المفاوضات مع أديس أبابا بشأن "سد النهضة المائي"، وتأثيره على دولتي المصب (مصر والسودان)، تزعم الخرطوم أحقيتها في منطقة مثلث "حلايب وشلاتين" الحدودي مع مصر، الأمر الذي ترفض القاهرة مناقشته من حيث المبدأ. إلى ذلك، وفي حين أعلنت السلطات السودانية إغلاق جميع المعابر الحدودية مع إريتريا، حسب ما أفادت وكالة الأنباء السودانية (سونا) أمس، نفى مصدر دبلوماسي، تقريراً بثته فضائية "الجزيرة" القطرية يزعم وصول تعزيزات عسكرية من مصر إلى قاعدة "ساوا" العسكرية في دولة إريتريا الحدودية مع السودان. وقال المصدر: "الحكومة السودانية قدمت لمصر احتجاجاً رسمياً على نقطتين أساسيتين، الأولى تخص قضية حلايب وشلاتين، والثانية تخصّ تعامل الإعلام المصري مع السودان واتهامه بالإضرار بمصالح مصر".وكانت "الجزيرة" قالت إن مصر أرسلت تعزيزات عسكرية إلى القاعدة الإريترية، لكن رئيس الوزراء الإثيوبي هايلي مريام ديسالين أكد طبقا لوكالة الأناضول عدم وجود أي قاعدة مصرية بالمنطقة.
العبث التركي
في الأثناء، علمت "الجريدة" أن لقاء شكري والجبير ناقش مواجهة التوغل التركي في المنطقة، وأن مباحثات مصرية- سعودية تدرس تكثيف الوجود العسكري المصري- السعودي في منطقة البحر الأحمر بشكل كامل، إلى جانب التنسيق معلوماتياً بين الدولتين.مصدر مطلع أشار لـ"الجريدة" إلى أن الرياض سبق أن أبلغت القاهرة رفضها خطوة منح السودان حق إدارة جزيرة "سواكن"، على البحر الأحمر، إلى تركيا، وأضاف: "المملكة تعترض على أي وجود عسكري تركي في البحر الأحمر"، فيما اعتبر أمين سر لجنة الشؤون الخارجية، النائب طارق الخولي، المواقف السودانية الأخيرة جزءاً من سياسة التصعيد ضد مصر.مستشار رئيس هيئة قناة السويس، إيهاب طلعت، قال لـ"الجريدة": إن "أمن البحر الأحمر أمر لا خلاف عليه، فهو منفذ مصر لآسيا وإفريقيا، فضلاً عن كونه شريان الملاحة في المنطقة، ومصر لن تقبل بأي عبث في تلك المنطقة".طلعت لفت إلى أن الوجود التركي في جزيرة "سواكن" خطر كبير على أمن البحر الأحمر، معتبراً الوجود التركي هناك دخيلاً، مشيراً إلى أن أنقرة ذات أطماع ورغبة في الهيمنة على دول المنطقة، مرجحاً أن يكون لقاء الوزيرين شكري والجبير ناقش وضع إجراءات تأمينية عسكرية، لحماية البحر الأحمر.مستشار كلية القادة والأركان، اللواء محمد الشهاوي، قال لـ"الجريدة": "مصر تعتبر أمن البحر الأحمر جزءاً من أمنها، ولن تقبل بأي عبث فيه، سواء من تركيا أو من غيرها"، موضحاً أن مصر منذ اندلاع الأزمة تعلن أنها تراقب الأوضاع ولن تقبل بأي تعطيل لحركة الملاحة، وبالفعل أرسلت تعزيزات أمنية لحماية مضيق باب المندب"، وتابع: "الرئيس عبدالفتاح السيسي سخَّر إمكانات حاملة الطائرات "عبدالناصر" لحماية أمن البحر الأحمر".تعزيزات عسكرية
إلى ذلك، علمت "الجريدة" أن الجيش المصري عزز إجراءاته على الحدود الجنوبية، خصوصا في مثلث الحدود بين مصر وليبيا والسودان، وتحديداً المنطقة المعروفة بجبل "العوينات"، أقصى الجنوب الغربي. وقال مصدر مسؤول لـ"الجريدة": "التعزيزات جزء من إجراءات منع تسلل أي من القوى المتطرفة إلى مصر، ولا علاقة لها بأي إجراءات تصعيدية"، وتابع المصدر: "منطقة حلايب وشلاتين المصرية وصلتها تعزيزات عسكرية من قاعدة محمد نجيب والمنطقة الجنوبية العسكرية، كجزء من إجراءات التأمين المتكامل الذي تقوم به الحكومة".مصدر دبلوماسي مصري استبعد أن يكون قرار الخارجية السودانية سحب سفيرها في القاهرة، جاء بعد شائعات طلب مصر استبعاد السودان من مفاوضات سد النهضة، إذ أرسلت الخارجية المصرية مذكرة توضيحية للجانب السوداني تؤكد عدم طلب القاهرة إبعاد الخرطوم، وأضاف: "مصر لم ولن تعادي السودان".وأوضح المصدر أن الرد السوداني تمثل في طلب بالتفاوض حول مصير مثلث حلايب، وهو ما رفضته القاهرة وأكدت أنه لا تفاوض حول تلك المنطقة، لأنها أرض مصرية، لافتاً إلى أن القيادة السياسية شكلت لجنة موسعة من الخارجية وجهات سيادية وأمنية مسؤولة، لتقييم الوضع بشكل كامل مع الجانب السوداني وتقييم التطورات الأخيرة، وشدّد على أن تعليمات الإدارة المصرية التعامل الهادئ مع الأزمة، وعدم الانجرار إلى تلاسن إعلامي.