تقاعد مبكر... انتخابات مبكرة!
رغم إرادتك، ورغم عدم اقتناعك بالأداء الحكومي، هناك ممارسات نيابية خاطئة تصل إلى حد الجريمة بحق الوطن تجعلك تصطف مع السلطة، وتخوض جولة، بل جولات، إلى جانبها، ومن أهم الجرائم التي ستقع بحق الوطن؛ ذلك المقترح المنتظر أن يُناقش بعد غدٍ، بشأن خفض سن التقاعد للمواطنين، والذي ستكون له آثار كارثية مماثلة لنتائج التقاعد المبكر، التي كانت سائدة في الفترة الممتدة من منتصف سبعينيات القرن الماضي حتى بداية الألفية الجديدة، والتي نتجت عنها التركيبة السكانية المختلة حالياً.البلد مشغول بإجراءات استثنائية تتعلق بسد العجز في الموازنة العامة، ونقاشات جدية حول مستقبل النفط وأسعاره، ونية الاقتراض الحكومية، ودول من حولنا تفرض ضرائب، وترفع أسعار المحروقات، ويخرج لنا نائب "فلتة" يقول إن إخراج آلاف الكويتيين من أصحاب الخبرات للتقاعد هو حل لمشكلة البطالة. والغريب أن ذلك الحل السحري لم يتوصل له علماء الاقتصاد وتأهيل القوى العاملة في بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية قبل النائب "الفلتة"، لمعالجة البطالة عندهم، فيما 45 نائباً، للأسف، يوقِّعون على طلب استعجال مناقشة ذلك القانون.
مرة أخرى، لا يوجد شيء اسمه تقاعد اختياري، فالطبيب واختصاصي الأشعة والمحاسب وجميع أصحاب المهن الفنية عندما يُمنحون حق التقاعد مبكراً سيهجرون العمل الحكومي، ليجمعوا بين راتب التقاعد والخاص، كما أن المدرِّسين من أصحاب الخبرة ستطلبهم المدارس الخاصة، التي يتزايد الطلب عليها، وسيصبح بإمكانهم جمع راتب التقاعد مع راتب آخر.وعند ذلك ستضطر الدولة لطلب عمالة أجنبية ذات خبرة، لتحل محلهم، لأنه لا يمكن، مثلاً، تعويض رئيس قسم أشعة في مستشفى عام بخريج أشعة حديث كويتي من دون خبرة، وهكذا دواليك، إلى أن تزداد كارثية وضع التركيبة السكانية في الكويت، وتذهب أدراج الرياح مليارات الدنانير التي صُرفت على البعثات الداخلية والخارجية والجامعات والمعاهد المحلية.سابقاً أشرت إلى رفضي أن تكون الاقتراحات الشعبية للنائب منقصة من قدره، لأنه هو نتاج عمل شعبي، لكن هناك فرقاً بين المقترح الشعبي والتخريب الوطني عبر قوانين معيبة، فمثلاً يمكن أن نتفهم أمر معالجة الفوائد الفاحشة التي تتقاضاها مؤسسة التأمينات الاجتماعية من المتقاعدين، أو رفض الضريبة المضافة، حتى يتم وضع نظام ضريبي متكامل وعادل على أصحاب الثروات والمداخيل العالية، لكن إخراج آلاف الشباب الكويتيين من سوق العمل قبل سن الخامسة والخمسين، ورفعه مستقبلاً إلى الستين عاماً، هو جريمة بحق الكويت.لذا، فإن أي طلب حكومي يُرفع إلى رئيس الدولة، لاتخاذ إجراء، في حال إقرار قانون خفض سن التقاعد الكارثي، يجب أن تؤيده النخب الواعية، لأنه عبث خطير بمستقبل البلد يجب أن نعود به إلى الناخب، ليقرر أن يعيد النواب المؤيدين لذلك القرار من عدمه، لأنه تدمير لمستقبل وطن، وعودة لأخطاء فادحة تسببت في الوضع السلبي الحالي لسوق العمل. أما مشكلة البطالة، فتحتاج إلى إعادة تأهيل وإصلاح سوق العمل، وإيجاد فرص عمل جديدة في القطاع الخاص والمشاريع الكبرى بالمدن السكنية الجديدة ومدينة الحرير والجُزر، وتفعيل خطط الإحلال الوطني في الوظائف العامة.