بيتنا الخليجي أمام تحديات مصيرية
أنشأ القادة المؤسسون مجلس التعاون الخليجي 1981 في ظروف بالغة الخطر، ومن يطلع على كتاب عبدالله بشارة "بين الملوك والشيوخ والسلاطين"، وهو سفر تاريخي ضخم، وثق مخاضات ولادة المجلس ومسيرته الطويلة الحافلة بتحديات مفصلية في تاريخ الخليج، بأسلوب مشوق، يدرك حجم المخاطر التي صاحبت ولادة هذا الكيان الخليجي الفريد في دنيا العرب السياسية. وحقيقة فإن هذا الكتاب يقدم للخليجيين دروساً ثمينة، لخصها بشارة، وهو المحنك السياسي، بعد عمل استمر 12 عاما في المجلس، وعشر سنوات في الأمم المتحدة، وأزعم أنه لو أخذ بها لجنبنا البيت الخليجي ما نحن فيه اليوم من تأزم يكاد يعصف بكيانه، ولولا فضل من الله تعالى ورحمة ومساع جبارة يبذلها سمو أمير الكويت، حفظه المولى تعالى، لكان البيت الذي بناه الآباء المؤسسون قد انهار. لقد مر البيت الخليجي، منذ نشأته، بجملة من التحديات العاصفة، وصمد بالإرادة القوية والعمل الجماعي المشترك، وتمكن من العبور إلى ما ينعم به الخليجيون من رخاء وازدهار، وأمن واستقرار، لكن تحديات اليوم مختلفة، كانت التحديات السابقة خارجية، وتحديات اليوم داخلية لكنها مصيرية:
1- التحدي السياسي: الأزمة الخليجية: وهي أزمة أحسن تشخيصها المفكر الكويتي د محمد الرميحي في مقالته "مجلس التعاون الخليجي في مواجهة أسئلة التغيير"، السياسة الدولية أكتوبر2017، تناول أسباب الأزمة بين محلل تنظيري غير واقعي، رآها صراعاً بين "المدافعين عن ثورة الربيع العربي والثورة المضادة"، وآخر تبسيطي رآها سحابة صيف عابرة! ليؤكد أنها أزمة جذرية لها نتائج عميقة على النسيج السياسي والاجتماعي والاقتصادي الخليجي، تقف أمامها النخبة الخليجية المستنيرة موقف القلق الممزوج بالانزعاج، خوفاً على بقاء هذه المجتمعات واستمرارها كما هي اليوم. يستقبل الخليج اليوم، عاماً جديداً: وقد مضى على الأزمة نصف عام، فهل هناك بارقة أمل في الحل في العام الجديد؟ هناك من لا يرى ضوءاً في الأفق، بعد إغلاق السعودية للمنفذ البري الوحيد لقطر، إغلاقاً نهائياً، وتصاعد الحملات الإعلامية، لكن كثيرين لم يفقدوا الأمل وما زالوا يراهنون على: المساعي الجادة للكويت وبخاصة أنها تترأس الدورة الحالية للمجلس، ما أمكنها بذل المزيد من الجهود لإيجاد أرضية مشتركة، تجمع الفرقاء في فعاليات، تسهم في التقارب والتآلف، تجلت في استضافة القمة الخليجية الـ38 والخليجي 23، وتستضيف مؤتمر رؤساء البرلمانات الخليجية 8 يناير، جهود جبارة ومقدرة للكويت خلال شهر واحد، مما يمنح أملاً في حل أو مخرج.2- التحدي التعليمي: قوة الغد لن تكون بعدد السكان أو مساحة الأرض أو الأرصدة المالية أو حجم الجيوش، إنما بالتمكن من امتلاك القدرات العلمية والتكنولوجية، وامتلاك هذه القدرات لا يكون إلا بالتقدم العلمي والمعرفي، وهو المفتاح لمواجهة التحديات المقبلة، ولا يمكن تملك هذا المفتاح، إلا بنظام تعليمي متطور، النظام التعليمي الخليجي، وبالرغم من كل الجهود والتجارب التطويرية، ما زال دون المأمول، حقق إنجازاً كمياً، ولم يحقق تقدماً علمياً أو اقتصادياً أو أمنياً، ولا توجد قاعدة علمية تكنولوجية خليجية حتى الآن، وما زلنا نعتمد على الخارج في طعامنا وسلعنا ودوائنا وسلاحنا، وطبقاً للدكتور الرميحي لم نحقق "القفزة النوعية" التي حققتها بلدان: سنغافورة وماليزيا وفيتنام، لأن السياق الاجتماعي السياسي الثقافي الخليجي لم يسمح بتلك القفزة. 3- التحدي الاقتصادي: اعتماد الخليجيين على النفط كمصدر أحادي للدخل، تجاوز السبعين عاماً، وفي ظل تراجع الإيرادات، ينبغي القيام بمراجعات للسياسات الاقتصادية، وطبقاً للخبير الاقتصادي الكويتي عامر التميمي، في مقالته القيمة "اقتصادات الخليج وتحديات النفط" (مجلة العربي، ديسمبر)، على بلدان الخليج خلق فرص حقيقية للتنمية المستدامة، بتنويع القاعدة الاقتصادية، ودفع الأنشطة الاقتصادية غير النفطية لموازنة مساهمة القطاع النفطي في الناتج المحلي الإجمالي.أخيرا: مهما اشتدت الأزمة، يعلمنا التاريخ أنه ما استعصى على قوم نزاع إذا خلصت النيات، وصدقت العزائم، لا مشكلة بغير حل، ولا أزمة دون مخرج، لكن ذلك مرهون بتفعيل الطاقات الخليجية: منظمات المجتمع المدني والنخب السياسية والإعلامية والثقافية، لنحافظ على البيت الخليجي، ولنسع إلى تحجيم الخلافات، وتهدئة الحملات الإعلامية، ولنتمسك بالأمل، من يدري؟ قد يفرجها المولى تعالى بلحظة! فما بين غمضة عين وانتباهتها، يغير الله تعالى من حال إلى حال.* كاتب قطري