أتابع بطولة كأس الخليج منذ الطفولة، وتحديداً من البطولة الخامسة التي نظمت في العراق عندما تم اختيار شقيقي ناصر لتمثيل المنتخب الوطني لأول مرة في مسيرته الرياضية، ثم البطولات المتوالية التي عقدت خلال أكثر من ٣٥ سنة، ومنها بطولتان في الكويت إحداها ١٩٩٠ سنة الغزو العراقي وانسحب فيها منتخبا السعودية والعراق، وأكاد أجزم أنه لم تعقد بطولة فيها هذا الوئام الخليجي والتناغم الجماهيري والمودة والألفة بين الحضور والمتابعين والضيوف الخليجيين كما جرى في هذه البطولة التي نظمتها الكويت الشهر الجاري.عقدت هذه البطولة في ظروف خليجية غير مسبوقة، والخلاف العلني بين الدول الشقيقة بلغ أوجه، وكان لموقف الكويت الساعي إلى جمع الصف وحلحلة الخلاف والحفاظ على الوحدة الخليجية الأثر الأعظم في التخفيف من أضرار هذه الأزمة، والإبقاء على الحد الأدنى من التواصل بين أطرافها من خلال القنوات الكويتية التي لاقت تأييداً عالميا مترامي الأطراف ثقة ودعماً في الجهود الكويتية المخلصة ودبلوماسيتها الصادقة.
خلال أيام الدورة شاهدنا أهلنا في الخليج وهم يفدون أفواجاً إلى وطنهم الثاني الكويت مستمتعين بإقامتهم ومتآلفين في تواصلهم وممتنين لمضيفيهم، فتسامى الجميع فوق الخلافات السياسية، وتقابلت الفرق الرياضية بعيداً عن التباين الدبلوماسي، وتعايش الكل بعفوية وسلاسة غاضين الطرف عن الصراع الخليجي الداخلي القاسي الذي امتد شهوراً طويلة، تمر كأنها سنوات، وأصبحت الكويت داراً للجميع وساحة للوفاق بين الشعوب والأهالي، وهو الانعكاس الطبيعي للعلاقات الاجتماعية والأواصر الأسرية التاريخية بينها، وهذا أعظم ما حققته البطولة.انتهت الدورة وشاهدنا كيف يتسابق ضيوف الكويت على الشكر والثناء للكويتيين حكومة وشعباً على ضيافتهم والأريحية النقية في استقبالهم ومشاركتهم أجواء البطولة، وتحولت الكويت إلى ساحة أفراح كبيرة ذابت فيها رواسب الشقاق التي أصابت بلداننا في الشهور الماضية، واجتمع أبناء الخليج جنباً إلى جنب في الملاعب والمدرجات والأسواق والمحافل اليومية المختلفة لتحقق البطولة الرياضية هدفاً قومياً مستحقاً جاء في وقته المناسب.لقد نجحت البطولة في جمع الشعوب الخليجية على أرض المحبة والسلام، ونجحت البطولة في إعادة الدور الحيوي للشعب الكويتي وسط الخليج، ونجحت البطولة في ترميم جزء كبير من جراح الأزمة القائمة لتواصل الدبلوماسية الكويتية تميزها في حماية الوحدة الخليجية بكل ما أوتيت من صلابة وتأن وبُعد نظر، والحمدلله.لم تكن البطولة هذه المرة مجرد لعبة كرة قدم وكأس وميداليات، إنما كانت لمّ شمل حقيقي ومبارك وعودة ميمونة لمكانة الكويتيين وسط الشعوب الخليجية العزيزة، فحققنا جميعاً مكاسب عظيمة في هذه الدورة، وجب علينا رعايتها وعدم التفريط فيها. والله الموفق.
مقالات
لا تفرطوا في مكاسب دورة الخليج
09-01-2018