مرت في ديسمبر 2017م الذكرى الخمسون على إطلاق فكرة تأسيس بيت التمويل الكويتي في ديسمبر 1967م من خلال تشكيل لجنة تحضيرية لهذا الغرض. وجاء تأسيس بيت التمويل الكويتي في سياق تطور وحراك إسلامي نوعي جديد شهدته الكويت ويتعلق بالدعوة لتأسيس كيانات للاقتصاد والمصرفية الإسلامية فى الكويت والعالم العربي. فقد زار الكويت مطلع عقد الستينيات من القرن العشرين الدكتور عيسى عبده إبراهيم، الخبير المالي والاقتصادي المصري المعروف، بدعوة من مكتبة المنار الإسلامية للمساهمة فى نشر سلسلة كتب تحت عنوان (نحو اقتصاد إسلامي متين).وكرر د. عيسى عبده زياراته للكويت مرات عدة، وأقام فيها فترات طويلة لهذا الغرض، ونشط خلال إقامته فى إلقاء المحاضرات العامة والخاصة والأحاديث الإذاعية والتلفزيونية لتكوين رأي عام إسلامي مواتٍ في مجال الاقتصاد والمصرفية الإسلامية وتأسيس بنك إسلامي.
ولترجمة الدعوة النظرية لتأسيس بنك إسلامي في الكويت إلى واقع عملي فقد تم تشكيل (اللجنة التحضيرية لمشروع بيت التمويل الكويتي) في ديسمبر 1967م. وتكوّنت اللجنة التحضيرية من أحد عشر عضواً هم: 1- السيد إسماعيل رأفت – خبير إحصائي– مصري الجنسية.2- د. جمال الدين عطية– محامي– مصري الجنسية.3- السيد عبدالعزيز العتيبي– رجل أعمال (أمين عام مجلس الوزراء لاحقاً) – كويتي الجنسية.4- السيد عبدالله العقيل – مدير الشؤون الإسلامية بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويتية – سعودي الجنسية.5- السيد عبدالواحد أمان – محاسب قانوني– كويتي الجنسية.6- د. عيسى عبده إبراهيم – خبير اقتصادي ومالي– مصري الجنسية.7- السيد محب حسني المحجري– خبير اقتصادي– مصري الجنسية.8- السيد محمد همام الهاشمي– خبير اجتماعي– مصري الجنسية.9- السيد محيي الدين عطية – خبير تسويق – مصري الجنسية.10- السيد نزار السراج –خبير إحصائي– (توفي في 28/6/1968م) سوري الجنسية.11- السيد يوسف المزيني– رجل صيرفة واستثمار – كويتي الجنسية.هذا وقد تولى د. عيسى عبده (وهو الشخصية المحورية فى الدعوة لإنشاء بنوك إسلامية) القيام بمتابعة أعمال اللجنة والاتصالات والمقابلات داخل الكويت وفي السعودية وإمارات الخليج.واستمرت اللجنة التحضيرية فى عملها طوال الفترة من شهر ديسمبر 1967م حتى شهر نوفمبر 1969م. وقد أعدت اللجنة تقريراً حول ما قامت به من أعمال وعنونته (مذكرة موجزة عن أعمال اللجنة التحضيرية لمشروع بيت التمويل الكويتي). وبمناسبة مرور الذكرى الخمسين على البدء بالدعوة والعمل لتأسيس بيت التمويل الكويتي كأول بنك إسلامي في الكويت، ونظراً إلى أهمية هذه الوثيقة التاريخية، التي لم يسبق أن تمّ نشرها أو إيراد مضمونها بشكل دقيق فننشر فيما يلي نصّ ما جاء في هذه المذكّرة الموجزة عن أعمال اللجنة التحضيرية لبيت التمويل الكويتي :«وضع الدكتور جمال الدين عطية المحامي مكتبه (بعمارة الشرق الأوسط) تحت تصرف اللجنة ليكون مركزاً مؤقتاً لعملها، واستمرت الحال كذلك... وطلبت اللجنة من د. عيسى عبده أن يخصص جانباً من وقته لمتابعة الأعمال الجارية والاتصالات بالبريد والمقابلات وعاونه في ذلك الأستاذ محب حسني المحجري، وتوالى عقد الاجتماعات الدورية... بين مرّة واحدة وأكثر من مرّة شهرياً حتى شهر نوفمبر 1968م حين أصبح واضحاً للجنة ولكل مهتم بالمشروع، أن الدور الذي قامت اللجنة لتنفيذه قد تمّ إنجازه، وأن المرحلة التالية تقع في اختصاص «المؤسسين» فركزت الاهتمام على الاتصال بعدد قليل من المهتمين بجهود اللجنة والحريصين على نجاح المشروع وهم في الوقت ذاته من الممولين القادرين على الإسهام في رأس المال وتدعيم المشروع بمكانتهم وسمعتهم الطيبة في دوائر المال، وفي محيط المشتغلين بالشؤون الإسلامية .. وبعد أن تكرر اللقاء والبحث، رأت اللجنة أن من مصلحة المشروع إفساح الوقت للمؤسسين المرتقبين، حتى يعيدوا تقدير الموقف ومن ثم الإقدام على المرحلة التالية أكثر ثباتاً.أمّا الأعمال التي أنجزتها اللجنة فتتلخص في البند التالي:
اللجنة قامت بدورها
كان وجود اللجنة مرهوناً بإنجاز مرحلة أولية تؤدّي إلى مرحلة تالية لا تدخل في اختصاصها، لذلك ضمنت التسمية التي اختارتها ما يفيد ذلك .. ثم كان عنوان اللجنة دليلاً على أنّها تعد المشروع مجرد إعداد... وكان من الطبيعي أن ما تم في عهد اللجنة (بين ديسمبر 1968/ ونوفمبر 69م) هو التمهيد لقيام المشروع أو الإعداد الأولي لهذا الغرض ... وتفصيل ذلك:أولاً– جمعت اللجنة بالتعاون فيما بين أفرادها .. ما أمكن جمعه من تقارير ومطبوعات عن المشروعات النظيرة والتجارب، التي عرفتها مجتمعات أخرى، وأضافت إلى ذلك ما كان في الكويت من دراسات سابقة وخبرات قام بها من قبل بعض أعضاء اللجنة وضيوف وزائرون للكويت.ثانياً – تألّفت لجنة فرعية وقامت بزيارة عدد مختار من رجال الأعمال ورجال المال، وتكررت الزيارات ورصدت اللجنة الفرعية نتائج عملها هذا من حيث تقدير مدى الاستجابة وتقدير ما لمسته اللجنة الفرعية من حاجة إلى مزيد من المطبوعات المتخصصة (والمبسّطة في الوقت ذاته) لكي تجيب عن كل سؤال يدور في فكر الناس... من كان منهم قادراً على الإسهام في رأس المال ومن كان متّجها إلى الدخول في معاملات محدودة مع البيت بعد إنشائه.ثالثاً – أعدت اللجنة مجموعة مناسبة من الأوراق أو مسودات الوثائق... وحرصت في ذلك على التزام حكم القانون فبدأت بأهم الوثائق... أي بمشروع كامل للنظام الأساسي لبيت التمويل الكويتي... وزادت على ذلك مذكرات صغيرة بعضها مطبوع للتوزيع على نطاق واسع وبعض آخر محدود النسخ ويقدّم للمهتمين بهذا النوع من الدراسات.رابعاً– قامت اللجنة بتوزيع هذه الأوراق بالبريد وبالمقابلات الشخصية وكانت الآثار الفورية مشجّعة على المتابعة... ومن ذلك أن بعض الجامعات ذات السمعة العالمية تابعت وتبادلت المراسلات مع اللجنة في محاولات جادة لتقدير كل نصّ وارد في مشروع النظام الأساسي... ومن هذه الجامعات ومراكز البحث العلمي جامعة عليكرة، وأم درمان الإسلامية، ومعهد الدراسات الإسلامية بالقاهرة، ومعهد أُقيم حديثاً في ألمانيا واتجه إليه أخيراً د. أحمد عبدالعزيز النجار، الذي كان من قبل في أم درمان.خامساً – شمل اتصال اللجنة... بعض الهيئات والشخصيات، ومنها رابطة العالم الإسلامي في مكة ود. عبدالرحمن تاج شيخ الأزهر سابقاً ... وكانت ردود بعضهم دالّة على اهتمام صادق تمثّل في الدراسة والنقد والتوصية.سادساً– عنيت اللجنة بعرض الأمر (بصفة غير رسمية) على من ستعرض عليهم الأوراق عند اتخاذ الإجراءات في الوقت المناسب .. ومنهم بعض رجال القانون وإدارة الفتوى والغرفة التجارية ومراقبة الشركات بوزارة التجارة... وكانت نتائج هذه الاتصالات تتراوح بين التشجيع وبين التوصية بمزيد من الدراسة.سابعاً – نظّمت اللجنة زيارة إلى السعودية، وكلفت بعض أعضائها بإلقاء محاضرات وعقد ندوات في مكة والمدينة والخُبر والدمام... وذلك في دورتين إحداهما في يناير 68م والأخرى في مارس من السنة ذاتها.ثامناً – سعت اللجنة إلى استطلاع رأي السلطات العليا، ووجدت الاستعداد تاماً لتقدير المشروع ودراسته وهذه نقطة مهمة لأنها تستبعد تماماً ما كان يحتمل من قيام صعوبة شكلية كالقول، إن البنوك المعتمدة كافية.تاسعاً – أعدت اللجنة مشروع مؤتمر يُعقد باسم «أسبوع البنوك الإسلامية».عاشراً – حين أنشئ البنك المركزي ونُشر القانون ثم توالت إجراءات التكوين العملي... تردد القول من جديد في بعض الدوائر التي يُعتدّ برأيها حول نقطتين... هما: هذا الاستعداد الطيب من جانب السلطات لتنظر وتدرس... وهذه المسؤولية التي انتهت إلى جماعة المؤسسين.خاتمة
عند هذا الحدّ .. رأت اللجنة أن تنتظر، وأن تستمر بكيانها الذي بدأت به، وهي تترقب تكوين الهيئة التأسيسة، والله الموفق» إ. ه.وانتهى عمل اللجنة التحضيرية لمشروع بيت التمويل الكويتي بعد أن أعدت مسودة وثائق تأسيس بيت التمويل ومشروع نظامه الأساسي وتقديمه لجهات خاصة ورسمية. لكن التأسيس الرسمي لبيت التمويل الكويتي تأجّل بسبب معارضته الفنيين والمتخصصين في أعمال البنوك نظراً إلى عدم اقتناعهم بإمكانية قيام مصرف على غير أساس الفائدة. واستمر تعطل إجراءات التأسيس البيت حتى عام 1977م، حينما تبنى المشروع عدد من الوزراء، وهم:1- السيد يوسف جاسم الحجي- وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية 2- السيد عبدالله إبراهيم المفرج - وزير العدل.3- السيد عبدالرحمن سالم العتيقي - وزير المالية.وقد بارك مسعى تأسيس بيت التمويل الكويتي الشيخ جابر الأحمد الصباح ولى العهد ورئيس مجلس الوزراء وقتها. وصدر المرسوم بقانون رقم 72 لسنة 1977م بتاريخ 23 مارس 1977م بالترخيص لكلّ من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ووزارة العدل (إدارة شؤون القصّر) ووزارة المالية في تأسيس شركة مساهمة كويتية باسم بيت التمويل الكويتي برأسمال قدره عشرة ملايين دينار كويتي.وكان المؤسّسون لبيت التمويل الكويتي ثلاث وزارات حكومية بنسبة مِلْكية تبلغ 49 في المئة، وهي:1- وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية (حساب الأوقاف بنسبة 9 في المئة).2- وزارة العدل (إدارة شؤون القُصّر بنسبة 20 في المئة).3- وزارة المالية (الهيئة العامة للاستثمار بنسبة 20 في المئة).وتصدّر قائمة المكتتبين الأفراد شخصيات ذات ميول إسلامية عامّة، ومنهم السيد عبدالله العلي المطوع، والسيد يوسف عبدالعزيز المزيني، والسيد علي عبدالعزيز الخضيري، والسيد محمد مطلق العصيمي، والسيد أحمد البزيع الياسين والسيد علي عبدالعزيز المطوع، والسيد عبدالرحمن المنصور الزامل، والسيد محمد العبدالعزيز الوزان، وغيرهم .وهكذا ظهرت على الساحة مؤسسة اقتصادية مصرفية إسلامية خاصة للمرة الأولى في تاريخ الكويت هي بيت التمويل الكويتي. وبعد خمسين عاما من بذر هذه الفكرة في تربة الكويت المنتجة نما بيت التمويل الكويتي ليصبح مؤسسة مصرفية كبرى وقدم نموذجاً تم استنساخه وتكراره ليصبح قطاعاً مالياً ضخماً يحوي الكثير من المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية.