أثار الكتاب الذي صدر حول دونالد ترامب ورئاسته المختلة (نار وغضب: داخل بيت ترامب الأبيض) قلق الكثيرين في واشنطن، وعلى الرغم من تهديد البيت الأبيض المشبوه دستوريا لمحاولة منع نشر هذا الكتاب، تم تقديم موعد نشره بأربعة أيام، ولكن جل المعلومات التي يحتويها هذا الكتاب ليست كلها مفاجئة، على الرغم من القلق الكبير الذي سببته.ولم يتضح بعد كيف حصل مايكل وولف، مؤلف الكتاب المثير للجدل، على بعض معلوماته، ولكن من المؤكد أنه سجل العديد من مقابلاته، وخصوصا تلك المستخدمة في المحادثات الطويلة التي تضمنها الكتاب، فهدف وولف كان يتمثل بالحصول على شهادات منسوبة إلى كبار المسؤولين حول كيفية اشتغال الرئيس.
لكن الكتاب يخبرنا في الغالب عما كان يعرفه معظم الصحافيين السياسيين في واشنطن مسبقاً: أن ترامب غير مؤهل ليكون رئيسا، وأن البيت الأبيض يعد نقطة شديدة الخطورة بسبب مساعدي الرئيس عديمي الخبرة، والمفاجأة الوحيدة هي أنها لم تظهر أي كوارث أخرى على الأقل حتى الآن.جزء كبير مما صدر قبل نشر الكتاب يتعلق بمعركة بين أكبر ثرثارين ومتكبرين عرفهما التاريخ السياسي الأميركي: ترامب ومستشاره الاستراتيجي السابق ستيف بانون، ففي صيف عام 2016 ومع افتقار حملته إلى زعيم عيّن ترامب بانون رئيسا تنفيذيا للحملة، وهو رجل أعمال سابق عدواني ووضيع، وكان حينها الرئيس التنفيذي لبريتبارت نيوز، وهو موقع إلكتروني يشجع استعلاء البيض، وكان لدى بانون أفكار كثيرة حول ما ينبغي أن تكون عليه حملة "شعبوية" يمينية.غير أن حملة بانون المثالية كانت تشبه إلى حد كبير، بطرق عدة، ما كان يقوله ويقوم به ترامب بالفعل: مناشدة العمال ذوي الياقات الزرقاء عن طريق مهاجمة الهجرة- على سبيل المثال كان يقول إنه سيبني "جدارا كبيرا وجميلا" على طول الحدود مع المكسيك، وسيدفع ثمنه المكسيكيون- وسيفسخ الاتفاقات التجارية التي يدعي ترامب أنها غير عادلة للولايات المتحدة، فشكل هؤلاء الناخبون القاعدة الأساسية لترامب، ونجح في استقطابهم، في وقت فشلت هيلاري كلينتون في القيام بذلك، الأمر الذي يوضح سبب فوزه بمنصب الرئيس بدلا عنها.مشكلة ترامب هي أن المواطنين الذين كان يحاول إقناعهم لم ينضموا أبدا إلى الأغلبية من الناخبين، ومثلت "قاعدته" أقل بكثير من 40٪ من الناخبين، ولكن ترامب وبانون يفضلان عدم التفكير في ذلك، على ما يبدو. يُحب ترامب لوم الآخرين على فشله وأخطائه- فهو لا يعتبر نفسه المسؤول عن هذا الفشل- وقد تحمل بانون تبعات ذلك، وهو الذي تفاخر بسلطته في البيت الأبيض بشكل مبالغ فيه، وتشبث بمنصبه أكثر من اللائق، وفعلا تم طرده من الإدارة وغادرها في أغسطس، وعلى الرغم من أنه وترامب بقيا على اتصال بعد ذلك، لكن خلافهما كان أمرا لا غبار عليه.كان ترامب وبانون عبارة عن رجلين سمينين يحاولان تقاسم كيس نوم واحد، ولم يكن عالمهما السياسي كبيرا بما فيه الكفاية، وقد اختلفا بشدة حول من يؤيدان في سباق ملء منصب سيناتور ولاية ألاباما؛ ولكن مع إلحاح بانون، أيد ترامب في نهاية المطاف قاضي المحكمة العليا السابق روي مور، الذي كان قد أزيل من مقعده مرتين، والذي خسر السباق في النهاية. كان بانون يسعى إلى هزيمة "المؤسسة" الجمهورية من خلال دعم مرشحين "خارجيين" مشابهين في انتخابات منتصف المدة لهذا العام، والتي لو نجحت لجعلت من الصعب على ترامب الحصول على انتصارات في الكونغرس.على الرغم من إنكار ترامب فإنه هو من وافق بشكل أو بآخر على السماح لوولف بإجراء مقابلة مع الموظفين في البيت الأبيض بشأن الكتاب، رغم أنه كان معروفا بتلفيق المواضيع، وترامب على علم بهذه الحقيقة من خلال تجربته في نيويورك، وبعض المساعدين يعتقدون أنهم كانوا يتحدثون إلى وولف "بشكل غير رسمي"، وهذا يعني أن تصريحاتهم لن تكون معلنة، ولكن حتى لو كان ذلك صحيحا فمن الصعب تهدئة رئيس غاضب: لقد صرحوا بهذه المعلومات. ويرى ترامب أن خطيئة بانون العظيمة فيما يتعلق بكتاب وولف تتمثل بقوله أشياء سلبية للغاية عن أسرة الرئيس، فكان ترامب غاضبا بشكل كبير من وصف بانون لاجتماع عقده ابنه دونالد، وغيره من كبار موظفي الحملة في برج ترامب في يونيو 2016 مع بعض المسؤولين الروس الذين قالوا إنهم يحقدون على هيلاري كلينتون. وأخبر بانون وولف أن الاجتماع كان "غادرا"، ولكن بناء على ما حدث فعلا في ذلك الاجتماع فقد لا يكون بانون مبالغا. (فقد شارك ترامب في اجتماع على متن طائرة فورس وان، عندما عاد من رحلته الرئاسية الثانية في الخارج، لصياغة بيان للتغطية على ما حدث في اجتماع برج ترامب).وتمت الإشارة إلى أن ترامب غاضب من وصف بانون لابنة الرئيس المدللة إيفانكا بأنها "غبية"، كما ذكر وولف أن إيفانكا وزوجها، المستشار الكبير في البيت الأبيض غاريد كوشنر، قد اتفقا على أنه بعد نجاحهما المذهل المتوقع في البيت الأبيض سترشح إيفانكا نفسها للرئاسة.وقد ادعى ترامب أن بانون لم يكن له علاقة بفوزه الانتخابي، وأنهما تقريبا لم يتحدثا مع بعضهما، وكما هو متعود هدد ترامب بمقاضاة بانون، ولدى ترامب سجل حافل من الدعاوى القضائية التي هدد بها خصومه دون تقديمها للعدالة، ولكن حتى التهديد يمكن أن يكون مكلفا.ومع ذلك يجب ألا يحجب القلق المؤقت الحقائق الأخرى بسبب الخلاف حول حملة ترامب، ووراء هذه الدراما لدى ترامب أهداف واضحة ومعينة، تتقاسمها معه الحكومة ورؤساء الوكالات، والذين لا يؤثر فيهم نشر تقرير مغرٍ حول سلوك الرئيس.وفي حين كان الكثيرون في واشنطن وهيئة الصحافيين يناقشون آخر ما تم الكشف عنه، فإن وزارة العدل، التي يفترض أن تكون مستقلة إلى حد ما عن البيت الأبيض، تحولت إلى أداة حزبية لمتابعة ضغائن الرئيس، وفي الواقع تم الكشف، في الأسبوع الماضي، عن أن وزارة العدل أعادت فتح تحقيق في المسألة التي سبق التحقيق فيها بدقة حول رسائل البريد الإلكتروني لهيلاري كلينتون، كما تم الكشف عن محاولة فتح مكتب التحقيقات الفدرالي (FBI)، لتحريات حول مؤسسة كلينتون.ويذكرنا استخدام وكالة حكومية لمعاقبة الخصم السابق للرئيس بالسلوك الذي اتهم به ريتشارد نيكسون، وينم عن اقتراح شكل مختلف جدا عن الحكم الديمقراطي.* إليزابيث درو* مساهمة منتظمة في مجلة الجمهورية الجديدة، نشرت مؤخرا "مجلة واشنطن: تقارير عن انهيار ووترغيت وريتشارد نيكسون".«بروجيكت سنديكيت 2018»بالاتفاق مع «الجريدة»
مقالات
بانون يُفرغ كل شيء
10-01-2018