قرار الولايات المتحدة نقل سفارتها إلى تل أبيب جعل من الحرب مع كوريا الشمالية فرضية أكثر احتمالاً، ليس ذلك لوجود صلة مباشرةٍ بين الاثنين طبعاً، الخطر هو في أن المحللين والدبلوماسيين راحوا يتنبؤون بوقوع كارثة حتمية ومع ذلك لم يحصل أي شيء من هذا النوع، وهنا خطورة الموضوع. نرى في تغريدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه يؤمن بوضوح بأنه رئيس ناجح للغاية، وأن العالم مدين له لغياب القتلى في عهده، ولتحسن البورصة وتخفيض الضرائب، ومن سخر منه لادعائه أنه أذكى من الجنرالات المحيطين به، وألا حاجة الى طاقم كبير في وزارة الخارجية الأميركية عند وجود شخصه الكريم، أو من سخر منه؛ لأنه قال للزعيم الكوري الشمالي "زري أكبر من زرّك"، على هؤلاء جميعاً إخفاء ابتسامتهم الساخرة الآن، فذلك أنّ الأمر جديّ للغاية، فالرئيس الأميركي يشعر أنّه صاحب حق، وذكاء منقطع النظير، ولا تنفك ثقته بنفسه تتعاظم باستمرار منذ حملته الانتخابية في العام 2016.
يتسم الموضوع بالجدية القصوى لأنّ كوريا الشمالية جدية، إذ كان مستشار الأمن القومي ماكاستر على حق حين أكدّ أنّ كوريا الشمالية مستعدة لبيع أي شيء لأي طرف مستعدّ للشراء، ويصح هذا المنطق أيضاً في مسألة بيع أسلحتها النووية، كما يصح أيضا أن بيونغ يانغ على وشك الحصول على قدرة إلغاء لوس أنجليس وواشنطن من الوجود، وبات من المؤكد أن نظام كوريا الشمالية لا يحترم المعايير الدولية أو القانون الدولي، وأنّ هذا النظام يرتكب الجرائم من دون أن يرف له جفن، وأنه يعاني الهوس النفسي وأنّه ما من أمرٍ سيوقفه عمّا يريد القيام به. صحيح أن هذه الظروف الخطيرة ليست صنيعة ترامب نفسه، بل نتيجة السياسات المتخبطة التي لم تُجد التصرّف بحكمة إزاء التغيرات الدبلوماسية مع مرور الزمن، وأي إدارة تواجه هذه الوقائع كانت ستدرس بدقة احتمالات الحرب الوقائية، وإنه التصرف الاستراتيجي المناسب هنا، ولو شُنت الحرب عمداً لكانت نتائجها كارثيةً إنسانياً، وستتسبب الحرب في سقوط آلاف الضحايا من المدنيين، بمن فيهم عدد كبير من الرعايا الأميركيين. انعكاسات كارثيةحتى لو تمكنت الولايات المتحدة بسحر ساحر من نزع سلاح كوريا الشمالية النووي وإسقاط زعيمها، من قال إنّ حرباً لن تنشب في تلك الحال؟ أي حرب وقائية تشنها الولايات المتحدة عمداً أو تنشب رداً على استفزاز يقوم به أحد الطرفين ستكون انعكاساتها كبيرة. لقد انتقلت كوريا الجنوبية من بلدٍ آسيوي أفقر من معظم البلدان الإفريقية في عام 1950 إلى مصاف أول البلدان تقدماً على الصعيد التكنولوجي والاقتصادي، فهل يسامح شعبها الأميركيين مثلاً على قتل مواطنيها وتدمير مدنها بسبب صواريخ موجهة على بعد كيلومتراتٍ منها؟ هل يقبل الصينيون انتصاراً أميركياً في كوريا الشمالية أو حتى إلغاءً لسلالة كيم؟ ألن يغدقوا في تلك الحال على كوريا الشمالية السلاح والجنود لمواجهة الأميركيين؟ وماذا ستكون النتيجة آنذاك؟ لقد استخدم ماكاستر، إسوةً بسفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي عبارة "الحرب الوقائية" أكثر من مرة. بالنسبة الى هؤلاء ينبغي تجريد كوريا الشمالية من السلاح النووي عنوةً أو بالقوة، وما لا يفهمه مستشارو ترامب هو المخاطر السياسية المترتبة عن الإقدام على خطوة من هذا النوع، فالواقع هو أن أغلبية الأميركيين يعتقدون أن كل ما يتفوه به الرئيس الأميركي ليس إلا كذباً، ولن يتغيّر هذا الواقع حين سيجلس الرئيس وراء مكتبه شارحاً أسباب شنّه حرباً على كوريا الشمالية. يظن مستشارو ترامب أنّ مصداقيتهم كفيلة بالتعويض عن غياب مصداقية الرئيس، لكنهم طبعاً على خطأ، ذلك أنّ سمعتهم تلطخت بالتصريحات التي أدلى بها الرئيس مرة تلو الأخرى. قد تضطر بعض الحكومات كالحكومة الأسترالية وحكومة اليابان مثلاً إلى الوقوف إلى جانب الولايات المتحدة، وستكتشف تلك الحكومات بدورها أن شعبها لا يثق بالرئيس الأميركي ويشعر بالقرف من سلوكه؛ لذا سيكون من الصعب عليها جداً المشاركة في حربٍ من هذا النوع. طبول الحرب بدأت تقرع لمن لديه أذنين ليسمع، وثمة تقارير تفيد بأنّ الصينيين بدؤوا بتحضير مخيمات للاجئين على الحدود مع كوريا الشمالية، ووزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس يتحدث عن "غيوم سوداء بدأت تتجمع فوق كوريا الشمالية"، في حين علّق قائد المارينز قائلاً: "آمل أنني على خطأ ولكنني أشعر بأنّ حرباً بدأت تلوح في الأفق".ربما لن يحصل أي شيء، وربما سيتراجع دونالد ترامب عن شنّ حربٍ، فتختبر الولايات المتحدة أكبر مذلةٍ لتراجعها عن تنفيذ الوعيد بأكبر خطّ أحمر رسمه رئيسٌ لها حتى يومنا هذا، فثمة مصلحة لدى أطراف كثيرة لقيام حربٍ واسعة. فتناحر الولايات المتحدة والصين بشأن مسألة كوريا الشمالية بمثابة الحلم لروسيا، وبالنسبة الى المحللين الاستراتيجيين الأميركيين تلك الطريقة الوحيدة لحلّ عقدة كوريا الشمالية، أما بالنسبة إلى كيم جونغ أون، فإنّ الاقتراب من شفير الهاوية قد يبعد جنوب كوريا عن أميركا أو يجعل الصينيين يحاربونها، وبالنسبة الى دونالد ترامب فقد تكون الحرب لحظة مجدٍ، ولحظة تتويجٍ لحملة الوعود التي قطعها على شعبه، ولإلهاء الأميركيين وإبعادهم عن تحقيق روبرت مويلير بشأن صلات لحملته الانتخابية مع الروس. وهكذا قد يتحوّل التهديد والوعيد فجأةً الى واقعٍ عنيف، وإن حصل ذلك ليس بالضرورة اليوم أو غداً، ولكن يوماً ما في العام 2018، فإن اندلاع حرب كورية ثانية ستحوّل تلك اللحظة الى تاريخ مفصلي محفوفٍ بالمخاطر.* إيليوت كوهين* «ذي أتلانتك»
مقالات
بانتظار سقوط الصاروخ
11-01-2018