قال رئيس قسم الاقتصاد في "الجريدة"، الزميل محمد البغلي، إن أبرز تحديات ومعوقات تطبيق ضريبة القيمة المضافة هي عدم وجود منافسة حقيقية عادلة في السوق المحلي، مؤكداً أنها بحاجة الى حرية وعدالة في المنافسة، الى جانب الامتثال الضريبي، مشيرا إلى أن الدول لا تدار بمنطق الشركات، وليس هدفها الربح، بل التركيز على حياة السكان فيها ورفاهيتهم وتنمية الاقتصاد والمجتمع.وأضاف البغلي، خلال ندوة بعنوان "ضريبة القيمة المضافة وتحديات تطبيقها في دول الخليج"، التي أقامها ديوان تواصل الثقافي الاجتماعي، أن تطبيق الضريبة بحاجة الى قاعدة محاسبية كبيرة في الدولة، مطالباً بمعالجة الاختلالات قبل البدء في تطبيقها، حيث يجب أن تراعي عدم تهرب الافراد لضمان عملية الامتثال الضريبي، وحساب عدد المستحقين لها ومدى التزامهم، الى جانب الحرص على عدم تلاعب الشركات والمحلات في الفواتير الوهمية.
وتابع حديثه عن أهم التحديات التي تواجه تطبيق ضريبة القيمة المضافة، مؤكداً اهمية التفريق بين مفهومي الرسوم الجمركية وضريبة القيمة المضافة، وهو ما يعد تحدياً كبيراً جديداً، نظراً لعدم وجود خبرة تراكمية في هذا الشأن.وأشار إلى أن الدول الخليجية تفتقر للخبرة الحقيقية في ادارة الضريبة، لعدم وجود هذا النظام خلال السنوات الماضية، ضف إلى ذلك أن عدم وجود بنية تحتية ضريبية لدول الخليج يعد من أكبر المعوقات التي لها علاقة بتطبيق الضريبة.وقال إن ضريبة القيمة المضافة هي أول مشروع كبير بهذا الحجم يتم تطبيقه في دول الخليج، مبيناً أنه منذ عام 1981 طرحت الكثير من المشاريع الاقتصادية، على مستوى دول مجلس التعاون، لكنها لم تنجح، ومثال على ذلك العملة الموحدة التي لم تطبق إلى الآن، بالاضافة الى السوق الخليجي المشترك، والاتحاد الجمركي الخليجي، الذي وصلت به الخلافات ما بين الدول الخليجية إلى أن لدى كل دولة من الدول الست نظرتها الضريبية الخاصة، مما يثير تساؤلاً حول كيفية تطبيق الاتحاد الجمركي.
عوائد سنوية
وذكر البغلي أن إجمالي العوائد السنوية المتوقعة من تطبيق ضريبة القيمة المضافة في منطقة الخليج يقدر بـ24 مليار دولار، حسب الاتفاقية الموقعة، وأن أكثر من 65 في المئة منها لمصلحة السعودية والامارات لأنهما سوقان كبيران ومفتوحان وقادران على تحصيل مبالغ أكثر. أما نصيب الكويت من تطبيق القيمة المضافة فسيبلغ 1.6 مليار دولار في العام الواحد، أي ما يعادل 550 مليون دينار، والذي سيشكل 1.5 في المئة من الميزانية البالغة 19 مليار دينار.ولفت إلى أن تطبيق الضريبة في الكويت يختلف عن الدول الخليجية، لاسيما أنه لا يحتاج الى قرار حكومي فقط، بل يجب ان يصوت عليه البرلمان من خلال قانون خاص، فبالتالي ستأخذ اجراءات اكثر، موضحاً ان الكويت تحتاج إلى قانون يقر من مجلس الأمة حتى تطبق الضريبة، بخلاف دول الخليج التي تحتاج فقط الى قرار.قانون مستنسخ
وقال إن ضريبة المضافة، من حيث المبدأ، ذات فائدة، وفق الاطار العام لأي اقتصاد يقوم على النظم الضريبية، الا أن المشكلة الحقيقية ان ما تم اعتماده من قانون للقيمة المضافة استُنسخ من مجتمعات ديموقراطية وصناعية وانتاجية، بخلاف مجتمعاتنا غير الديموقراطية والاستهلاكية التي ليس لديها إنتاج كبير.وفسر كلامه بأن الخلل قد لا يكون اقتصادياً في الاطار العام، بل اداري أو سياسي، إذ ان الدول التي تطبق ضريبة القيمة المضافة وتمتلك ديموقراطية سيكون لمواطنيها دافعي الضريبة الحق في محاسبة ومعرفة أين تذهب اموالهم وفق معلومات شفافة.وتحدث عن الإطار العام اللازم في الضريبة وعن حق المواطن في الدول الخليجية أن يقوم بالرقابة والمتابعة وفق معلومات شفافة، مشيراً الى ان القاعدة تقول أن لا ضرائب بلا تمثيل، اذ ان من يدفع الضرائب يجب ان يكون ممثلا في القرار السياسي والادارة العامة التي تدير المليارات التي تحصل عليها الدولة، حتى يتم ضمان الشفافية والرقابة وكفاءة الانفاق، وهو غير موجود، الا قليلاً في الكويت. أما في الدول الاخرى فالوضع مختلف فيها.وألمح الى اهمية عدالة التطبيق ومخاطبة المجتمع الذي يطبق ضريبة القيمة المضافة، مشيراً الى ان تطبيقها في المجتمعات الانتاجية ضمن عملية اعادة تدوير هذه الاموال لمصلحة الصناعة والاقتصاد، بحيث ان ما يدفع من اموال يخدم البيئة الاقتصادية والتجارية والصناعية في الدولة، اما في منطقتنا فإن لدينا مجتمعات استهلاكية، لذا من الافضل ان توجه ضريبة القيمة المضافة في هذا الاتجاه، متسائلاً عن كيفية ضمان العدالة في عملية تفاوت الاسعار في مجتمع معين؟وضرب البغلي مثالاً بأسعار السيارات، مبينا أنه إذا تم فرض ضريبة قيمة مضافة بقيمة 5 في المئة على اسعار كل السيارات فإنها لن تعالج ظاهرة النهم الاستهلاكي في المجتمع، لذا يجب ان ننتقل بالضريبة الى نظام الشرائح حتى يتم إفادة المجتمع من الناحية الاستهلاكية.ورأى أهمية وجود آلية متوازنة في عملية التحصيل الضريبي، وأن تكون المساواة عادلة، فليس من المعقول ان يتم فرض ضريبة مقدارها 10 في المئة على سيارة قيمتها 10 آلاف دينار، وبنفس النسبة على سيارة تبلغ 50 ألف دينار، فالثاني اشتراها بغرض الرفاهية، أما الاول فبغرض الحاجة.حرية المنافسة
وبين أن أبرز التحديات الاساسية الموجودة في السوق الخليجي التي تواجه الضريبة، هي عملية حرية المنافسة في السوق، فالمتابع للسوق يجد ان هناك مجموعة من كبار الوكلاء والتجار محتكرين للاسواق، وأن هذا الاحتكار غير علني وغير مباشر. أما في الكويت فسنجد مجموعة كبيرة من الحائزين امتيازات من الدولة، بمنحهم اراضي، على الرغم من ظهور قانون الوكالات التجارية، الذي سمح لأي شخص بإحضار أي وكالة، الا ان تطبيقها العملي واجهته صعوبات بوجود وكيل قديم حائز امتيازات من الدولة وأراضي ودعماً، بينما المنافس الجديد لن يستطيع منافسته بالدرجة نفسها.ولفت الى ان هناك قانونا لإنشاء هيئة جهاز حماية المنافسة صدر منذ عام 2007، وأسست الهيئة عام 2010، إلا أنها لم تقم بأي عمل حتى تغير مجلس ادارتها قبل عدة أشهر، إذ كان من الممكن ان تقوم بمراقبة اسعار السيارات وتعاملات البنوك والسلع الغذائية والتجارية، غير انها قامت بعمل وحيد وهو دراسة اسعار مزادات اسواق السمك، وقدمتها الى مجلس الوزراء، وبعد تقديم الدراسة بشهر ظهرت أزمة السمك الكبيرة!وأفاد بأن الهيئة يجب ان تلعب دورا كبيرا في حماية المنافسة وضبط السوق، فليس هناك ما يسمى التحكم بالاسعار ومراقبتها، بل من المفترض توفير عامل المنافسة بالسوق، والأسعار وحدها ستنخفض وتكون في حدود المعقول.انعكاسات «الباكيج»
وأشار البغلي إلى أن من ضمن الاختلالات انه من غير المعقول أن يتم تطبيق الضريبة في الدول الخليجية للمجتمعات الريعية التي تعيش على النفط والانفاق العالي، خلال عام واحد، ويتم زيادة البنزين والكهرباء والماء ووضع رسوم صحية على الوافدين وزيادة البنزين مرة اخرى، ووضع القيمة المضافة والانتقائية المتعلقة بالسجائر والمشروبات الضارة بالصحة، مؤكداً ان "الباكيج" الكامل لابد ان يكون له انعكاسات على التضخم داخل السوق، ويعمل نوعا من اختلال الاسعار، ما لم يؤثر على حياة الفرد، فالدولة لا تدار بمنطق الشركة، وليس هدفها الربح والخسارة، بل توفير حياة جيدة وعادلة ومعقولة، حتى في وجود العجز والاستدانة، من خلال اعادة تدوير ادارة الاموال والتركيز على انظمة الرعاية الاجتماعية.القدرة على التطبيق
وعن التخبط في اتخاذ القرارات في الجهات الوزارية الاخرى، ومدى قدرة الدولة في تطبيق هذه التجربة، قال البغلي: من يفشل في قرار "حزام الأمان" كيف سيستطيع تطبيق الضريبة؟ فالقرارات السهلة والبسيطة لم تطبق، بالاضافة الى ذلك قد يكون هناك صدام برلماني محتمل، وعلى ارض الواقع قد يأخذ تطبيق الضريبة المضافة في الكويت وقتاً اطول، اذ اعلنت المالية انها بحاجة الى بنية تحتية ومحاسبية لتطبيق القيمة المضافة، وهو أمر عقلاني، لكن يبقى التساؤل: هل هم قادرون أم لا؟الفيلي: لا ضريبة دون محاسبة
أكد الخبير الدستوري د. محمد الفيلي أن ضريبة القيمة المضافة يجب أن تقر عبر قانون، لأنها نوع من انواع الضرائب العامة، معتقداً ان الضريبة بالضرورة سوف توصلنا الى محاسبة سياسية، مؤكداً أنه لا ضريبة دون محاسبة.وبين الفيلي أن الأنظمة التي تتجه نحو اقرار الضريبة يجب أن تقبل المحاسبة، او تتجنب المحاسبة عبر ابقاء الممارسة الحالية، مضيفاً أن النظام الديموقراطي يجب ان يكون واضحاً أمام المواطنين، وهو عنصر أساسي في مبدأ الثقة، عبر وضع معلومات كافية وواضحة امامهم، وهو جوهر فكرة الديموقراطية، لذا فإن التوجه لتطبيق الضريبة دون شفافية وثقة بالأفراد لن يكون عملاً حسناً.وذكر الفيلي أن النظام السياسي قائم على فكرة ان المواطن لا يدفع ضريبة، وبالمقابل لا يحاسِب، بالإضافة الى ذلك فإن النظام البرلماني، تاريخياً، ضد الضريبة، متسائلاً: من أين نبدأ بتأسيس السجل والنظام الضريبي، وهل سنبدأ الضريبة على الدخل أم على المبيعات؟ مؤكداً أنه لا يتوافر لدينا أي سجل في الوقت الراهن.