تعليم اللاجئين الصغار في ميانمار
حرمان الأطفال اللاجئين من التعليم سيحرمهم من الفوائد والمهارات التي يحتاجون إليها لإعادة بناء حياتهم، ويسلبهم الأمل في المستقبل، بالإضافة الى زيادة خطر تجنيدهم من الجماعات المتطرفة.
تعتبر صوفيا بيجوم مثالاً حياً على قوة الأمل، فقد هاجم مسلحون قبل ثلاثة أشهر قرية صوفيا التي تبلغ من العمر ست سنوات فى ولاية راكين بميانمار، وقد شاهدت صوفيا الجيران وهم يُقتلون، كما شاهدت إصابة عمها بطلق ناري بالإضافة إلى تدمير منزلها. لقد نجت صوفيا ووالداها واثنان من أشقائها الأصغر سناً بأعجوبة من ذلك الهجوم، وبعد رحلة شاقة استمرت أربعة أيام شملت تجنب الميليشيات وعبور نهر محفوف بالمخاطر، وصلت صوفيا وعائلتها بأمان إلى بنغلاديش المجاورة، وتقول صوفيا: "الآن أريد أن أعود إلى المدرسة". وقالت لي: "أفتقد الدراسة واللعب مع أصدقائي، أريد أن أصبح طبيبة".
لقد كان والد صوفيا أكثر حماسا لإيجاد مستقبل واعد لابنته حيث قال: "من دون التعلم، ما فرصة أطفالي لبناء حياة أفضل؟"، وقال: "يجب أن يكونوا في المدرسة".لقد كان من الممكن أن يكون الوضع أفضل لو كان المجتمع الدولي يشاطر والد صوفيا الرأي نفسه.إن أزمة لاجئي الروهينغا هي أيضا أزمة تخص التعليم، حيث فر أكثر من 655 ألف شخص، أي نحو ثلثي مجموع الروهينغا في ميانمار إلى بنغلاديش بحثاً عن ملاذ آمن من أعمال القتل والاغتصاب والحرق والنهب في ولاية راكين، ومع ذلك، وعلى الرغم من أن نحو 60 في المئة من المشردين هم من الأطفال، فإن توفير التعليم للاجئين الصغار من ميانمار لا يزال غير كاف نهائيا، علما أن أعداداً قليلة من هؤلاء الأطفال يذهبون إلى المدرسة ولا توجد خطة منسقة للتعليم الشامل للجميع.إن حجم الأزمة والسرعة التي ظهرت فيها تعد جزءا من المشكلة، ففي غضون بضعة أشهر فقط تدفق على منطقة جنوب شرق بنغلاديش أعداد كبيرة من البشر، تعادل عدد سكان مدينة بوسطن الأميركية، علما أن منطقة جنوب شرق بنغلاديش هي واحدة من أفقر المناطق في بلد فقير جداً. إن معسكرات اللاجئين الجديدة هي من بين أكثر الأماكن اكتظاظاً بالسكان على الأرض، والناس هناك في حاجة ماسة إلى المأوى والغذاء والرعاية الصحية والمياه النظيفة والصرف الصحي، حيث إن التعليم هو حاجة واحدة فقط من بين الحاجات التي تنتظر المساعدات الدولية الشحيحة.كما تلوح العوائق السياسية في الأفق، فقد أظهرت حكومة بنغلاديش سخاء غير عادي في الاستجابة للأزمة وتوفير الأراضي والحفاظ على الحدود مفتوحة، والمساعدة في بناء مستوطنات جديدة، وتعتبر رئيسة وزراء بنغلاديش الشيخة حسينة فعلاً قائدة عالمية في مجال الاستجابة لاحتياجات اللاجئين.ولكن تصر الحكومة أيضاً على أن الروهينغا هم ضيوف، ويجب أن يعودوا إلى ميانمار، ولقد وقع وزيرا خارجية الدولتين اتفاقاً في نوفمبر يدعو إلى عودة اللاجئين "بشكل طوعي وآمن" إلى بلادهم ابتداء من مطلع العام الجاري، وتشعر الحكومة البنغلاديشية بالقلق من أن توفير التعليم لهؤلاء اللاجئين يمكن أن يفسر على أنه خطوة نحو منح اللاجئين الإقامة الدائمة، ولقد تم ترك الأمر للوكالات الإنسانية للتعامل بشكل غير كاف مع قضية التعليم، وذلك من خلال مشاريع صغيرة غير منظمة.وبعد حرمان اللاجئين من الجنسية في ميانمار فإنه يتم الآن حرمان جيل كامل من الروهينغا من الحق في التعليم، وقد أعرب رئيس الوزراء البريطاني السابق غوردون براون مبعوث الأمم المتحدة الخاص للتعليم العالمي عن معارضته لإهمال التعليم بشكل عام خلال الأزمات الإنسانية، وفي حالة أزمة الروهينغا فإن عدم كفاية التمويل قد تفاقم بسبب الفشل الأوسع نطاقاً من جانب الوكالات الإنسانية، بما في ذلك ضعف التنسيق والخلافات المتعلقة بالصلاحيات والمناهج التي ينبغي استخدامها، وهي مسألة أصبحت متشابكة مع أسئلة حول الوضع المستقبلي لأطفال الروهينغا. تعتبر هذه وصفة لمستقبل بلا أمل، حيث إن أطفال الروهينغا في بنغلاديش لا يتأقلمون مع النزوح فحسب، بل يعانون أيضاً الصدمات النفسية، ويمكن أن يساعد حصول الأطفال على بيئة تعليمية آمنة في استعادة الإحساس بالحياة الطبيعية، وتقديم الدعم الذي يحتاجونه للتعامل مع التجارب التي مروا بها، ويمكن أن يساعد أيضاً في غرس قيم التسامح والاحترام وحل النزاعات بالوسائل السلمية.إن حرمان الأطفال اللاجئين من التعليم سيحرمهم من الفوائد والمهارات التي يحتاجون إليها لإعادة بناء حياتهم، ويسلبهم الأمل في المستقبل، بالإضافة الى زيادة خطر تجنيدهم من الجماعات المتطرفة، حيث إن تزايد عدد المدارس الدينية الإسلامية التي تنشأ في معسكرات اللاجئين سيزيد من حدة هذه المخاطر، ويمكن لهذه المدارس الدينية الإسلامية التي تفتقر إلى الرقابة أن تصبح وسائل لنقل وجهات النظر المتطرفة كما هي الحال في أماكن أخرى.ويجب أن تكون نقطة البداية لأي استراتيجية في مجال التعليم هي الاعتراف العملي بأن الحل المبكر للأزمة أمر غير محتمل، ونظراً لوحشية الهجمات على الروهينغا وفشل قادة ميانمار في توفير ضمانات أمنية ذات مصداقية، فإن عدداً قليلاً من اللاجئين سيعود طوعاً إلى ميانمار في وقت قريب، حيث لا يمكن للعالم أن يقف جانباً ويكتفي بمشاهدة أطفال الروهينغا وهم يعاقبون مرتين، أولاً بسبب فشل حكومتهم في حمايتهم من الانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان، ثم بسبب عدم وجود التعليم.إن الجميع لديهم الحق في التعليم، حتى المشردون لديهم الحق في أن يتعلموا، حيث إن الجدل المتعلق بوضع الإقامة في المستقبل يحيد عن الموضوع الأساسي، علما أن بإمكان بنغلاديش إنشاء مدارس مؤقتة منخفضة التكلفة من الخيزران مع دروس يقدمها معلمون من اللاجئين مجهزين بمواد باللغة البورمية، ولا يعني أي من ذلك إقامة دائمة في بنغلاديش، وما سنحققه من خلال هذه الخطوة هو إعطاء الأمل للاجئين، وهو الأمل الذي يأتي مع التعليم.وينبغي للمجتمع الدولي أن يعمل فوراً- وبشكل حاسم- على توفير التعليم الشامل لأطفال الروهينغا، والمطلوب هو وضع خطة عمل واحدة منسقة تنسيقاً جيداً تهدف إلى إلحاق جميع الأطفال بالمدارس، وذلك بحلول النصف الأول من عام 2018، ومن أجل نزع فتيل التوترات الاجتماعية ينبغي أن تتجاوز هذه الخطة معسكرات اللاجئين لتضم المجتمعات المضيفة.إن التمويل متاح، فقد أنشأ البنك الدولي صندوقاً بقيمة ملياري دولار لتوفير الدعم السريع للبلدان التي تستضيف أعداداً كبيرة من اللاجئين، والآن هو الوقت المناسب لاستخدامه، كما يجب علينا أيضا استخدام الأموال التي تأتي من المنظمات المتعددة الأطراف، مثل منظمة الشراكة العالمية للتعليم، ومنظمة التعليم لا يمكنه الانتظار، ويمكن للجهات المانحة الثنائية أيضاً أن تفعل المزيد.لقد عانى الأطفال مثل صوفيا بما فيه الكفاية، وهم يستحقون قصارى جهدنا لحماية حقهم في التعليم، ويجب ألا نتخلى عنهم.* كيفن واتكينز* الرئيس التنفيذي لمنظمة إنقاذ الأطفال «سايف ذا تشيلدرين» في المملكة المتحدة.«بروجيكت سنديكيت، 2018» بالاتفاق مع «الجريدة»
رغم أن نحو 60% من مشردي ميانمار من الأطفال فإن توفير التعليم لهم لا يزال غير كاف