الرقابة السينمائية في مصر تُحاصر الإبداع
أعمال تعرّضت للمضايقات حتى بعد الحصول على التصاريح
رغم أن أحداث «حليمو أسطورة الشواطئ» تدور كلها على الشاطئ، حذفت الرقابة مشهداً منه لأنه يتضمن ظهور إحدى الممثلات بلباس البحر. كذلك تعرّض «طلق صناعي» للمنع طويلاً بعدما أبدت الرقابة ملاحظات عليه بعد مشاهدته رغم أنها كانت وافقت على السيناريو كاملاً من دون أي حذف، ليعاني بعد ذلك صانعوه طويلاً قبل الحصول على تصريح بعرضه. تدور أحداث الفيلم داخل السفارة الأميركية. يذهب زوج ومعه زوجته الحامل للحصول على تأشيرة دخول إلى أميركا لتلد المرأة هناك، من ثم يحصل الابن على الجنسية الأميركية التي تحميه ووالديه من الظلم والبطش في أي مكان بالعالم. وعندما يُرفض طلبهما يحتجز الزوج رهائن ليحصل على ما يريد.لا يتضمن الفيلم أي لفظ جارح أو مشهد خارج، بل إسقاطات على الأوضاع الاجتماعية والسياسية بشكل يناسب القصة التي عُرضت على إحدى الجهات الأمنية لإجازتها رغم عدم اختصاصها بذلك. وهي أيضاً لم تعترض على أي عنصر في الفيلم!
أكّد المخرج والسيناريست خالد دياب أن الحس الأمني لدى الرقابة أعلى من الحس الفني، إذ تتعامل مع الفن بكثير من التوجس والريبة، مؤكداً أن العلاقة بين الطرفين شهدت تراجعاً كبيراً في السنوات الأخيرة بسبب من جعلوا من أنفسهم أوصياء على الفن والإبداع.
رأي النقد
أكدت الناقدة ماجدة خير الله أن السينما المصرية تمرّ بأسوأ فتراتها، إذ تعاني المنع والتضييق بشكل لم تشهده سابقاً، رغم غياب أي مبرر لذلك. تابعت: «لكن في ما يبدو التعامل مع السينما بريبة كبيرة يعكس حالة التردي والتأخر التي وصلنا إليها»، مستنكرة أن يأتي المنع من الجهات الأمنية التي أصبحت تشاهد الأفلام من دون منطق، خصوصاً التي تحمل طابعاً نقدياً أو تتضمن ما يُثير حفيظة الأمن. كذلك أكّدت أن ما يفعله رئيس الرقابة يأتي تنفيذاً لأوامر الجهات الأمنية بالمحاصرة والمنع من الدعاية كي لا يُحقق فيلم ما أية مشاهدة تُذكر، وهو أسلوب جديد في محاربة الأفلام، خصوصاً التي تحمل مضموناً وهدفاً.وأكدت خير الله أن الادعاء بمحاربة الإسفاف والابتذال والوقوف إلى جانب السينما الجيدة أمر غير حقيقي ومجرد تصريحات لا قيمة لها، لأن في المقابل الأفلام التي تحمل إسفافاً وسطحية تنال التصاريح في حين تتعثر تلك التي تتضمن بُعداً ما أو نقداً للمجتمع، ما يعني عدم ترحيب المسؤولين بوجود سينما حقيقية.بدوره أكّد الناقد نادر عدلي أن الرقابة ليست متخصصة بإيضاح أي تشابه أو تماس بين عملين، خصوصاً أن أكثر من نصف إنتاج السينما المصرية منذ نشأتها حتى الآن قائم على الاقتباس سواء من أعمال أجنبية أو مصرية قديمة، ومنها ما ذكر المصدر الرئيس ومنها ما أنكر الاقتباس رغم وضوحه. وأضاف أن ثمة حالة تربّص كبيرة بين الرقابة والأفلام الجادة التي تكشف سلبيات المجتمع، مؤكداً أن ثمة تراجعاً كبيراً في مستوى الحريات والتعامل مع الأعمال الفنية داخل الرقابة التي أصبحت في خدمة النظام وليس الفن. حتى أن معظم الأعمال يُعرض على جهات سيادية بشكل غير رسمي فتُقرر المنع أو العرض، ثم تكتب الرقابة تقريرها وفق توصيات الجهات، مؤكداً أن أفلاماً عدة تتعرض للمنع والحذف والتعديل وليس «حليمو» و«طلق صناعي» فقط.المخرج سعد هنداوي
رأى المخرج سعد هنداوي أن لا معايير مُحددة لدى الرقابة لتقييم الأعمال الفنية، ثم منعها أو السماح بعرضها، فقد تعاملت مع الأفلام المشاركة في بانوراما السينما الأوروبية بحس فني عالِ وأجازت أعمالاً جريئة، وفي الوقت نفسه تعاطت مع الفيلم المصري بتوجس وريبة وعطلت عرضه وأبدت كثيراً من الملاحظات التي مرت في عهود سابقة. وأضاف هنداوي: «على السينمائيين الوقوف بشدة والتمسك بتنفيذ التصنيف العُمري، لأنه السبيل الوحيد لتجاوز المنع والحذف، ولكننا فوجئنا بجهاز الرقابة ينفِّذ الأمرين معاً التصنيف العُمري والمنع والحذف. كذلك قال: «أنا أحد أشد المتمسكين بوجود الرقابة بشرط أن تكون هي الجهة الوحيدة التي تتعامل مع العمل الفني وتُبدي الملاحظات، وندخل معها في مناقشات وخلافات حتى نصل إلى حل، من دون أن أجد نفسي إزاء مؤسسة دينية أو أمنية لا علاقة لها بالفن، ولا أستطيع مناقشتها في أي مشهد أو جملة محل خلاف».
المخرج خالد دياب أكّد أن الحس الأمني لدى الرقابة أعلى من الحس الفني